أشعار بهاراتي … من لغة التاميل إلى العربية

04:13 مساءً الأربعاء 24 أغسطس 2022
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تصدر عن دار غالاكسي للنشر والتوزيع ، تاميل نادو، أول ترجمة لمختارات الشاعر التاميلي الأشهر سوبرامانيا بهاراتي (1882-1921)، ونقلها إلى العربية د. ذاكر حسين رئيس قسم اللغة العربية بجامعة مدراس، تشناي، الهند، وحققها الشاعر المصري أشرف أبو اليزيد.

المترجم والمحقق وبينهما غلاف المختارات

الترجمة التي تصدر مطلع أكتوبر 2022 في دولة الإمارات العربية المتحدة،  ترصد في مقدمة المترجم سيرة سوبرامانيا بهاراتي الذي كان شاعرا تاميليا عظيما ومناضلا من أجل استقلال الوطن؛ كما كان بالمثل رائدا في الشعر التاميلي الحديث، بل ويعتبر أعظم الشخصيات الأدبية التاميلية في كل العصور. وكان يعرف بماهاكافي – الشاعر العظيم – لقصائده الرائعة.

كتب بهاراتي خلال حياته القصيرة (39 عاما) مئات القصائد وبعض الملاحم الشعرية التي تتصف بالحماسة الوطنية، فحاز الاحترام عن جدارة كشاعر الهند الوطني ورمز الوحدة الثقافية والأخوة العالمية.

تكمن المكانة الفريدة لهذا الشاعر الفذ في رؤيته العالمية التي لا مثيل لها، فلم تتوقف كتابته على بلده فقط بل امتدت لتشمل قصائد ممتازة ومقالات تثقيفية عن عدة دول مثل بورما وجزر فيجي وجنوب إفريقيا والصين واليابان وروسيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وإنجلترا وأيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وتركيا ومصر وأفغانستان وغيرها.

ولد بهاراتي في 11 ديسمبر 1882 في قرية إتايابورام، من منطقة تيرونالفيلي، بولاية تاميل نادو، الهند لأبوين “شينا سامي آيار” و”لاكشمي آمّال” وسمياه بـ سوبراماني. فقد بهاراتي أمه وهو في الخامسة من عمره.

وتلقى تعليمه المبكر في كلية “الهند” بتيرونالفيلي. وبدأ كتابة القصائد في سن السابعة. وفاز في مسابقة المناظرة التي شارك فيها ملك “إيتايابورام” وذلك حين بلغ الحادية عشرة. ولقّبه الملك بـ “بهاراتي”  وكانت هذه لحظة لا تنسى في حياته.

وفي عام 1897 تزوج بهاراتي في سن الرابعة عشرة من شيلاما التي كانت تبلغ من العمر سبع سنوات.

وبعد وفاة والده في 1898 ذهب بهاراتي إلى بيت عمته بـ “فاراناسي” وأكمل تعليمه الثانوي في جامعة فاراناسي وتعلم اللغة السنسكريتية والهندية. كان بهاراتي بارعًا في حوالي 14 لغة، بما في ذلك 3 لغات أجنبية غير هندية.

حين عاد إلى إيتايابورام في 1902 أصبح شاعر البلاط لبضع سنوات. وكان يعلّم اللغة التاميلية في مدرسة “سيدوبادي” الثانوية بـ “مادوراي” لثلاثة شهور من أغسطس إلى نوفمبر 1904 .

قضى بهاراتي عدة سنوات في مجال الصحافة؛ فانضم كمحرر مساعد في صحيفة “سوديسا ميتران” وهي صحيفة يومية تاميلية وذلك في نوفمبر 1904. وعمل كصحفي مع العديد من الصحف، بما في ذلك “الهند” و”بالا باهاراتا” و “كارما يوغي” و “سوريودايام”.

وقد كتب بهاراتي عن مواضيع متنوعة مثل القومية الهندية ومجد اللغة التاميلية والحب والأخوة والفلسفة والأطفال والمرأة والطبيعة وغيرها. وحارب من أجل ترقية طبقة “الداليت” والمسلمين وحارب ضد النظام الطبقي في المجتمع الهندوسي. وتضمنت أعماله العديدة الأغاني النارية التي أشعلت حب الوطن خلال حركة الاستقلال الهندية .

لا يُحتفل بالشاعر بهاراتي فقط باعتباره الشاعر الوطني للهند، ولكنه لا يزال في صفحات التاريخ باعتباره الشاعر العالمي. لم يغن أو يكتب أحد من قبله أو من بعده  بأي لغة عن صراعات وأزمات ومحن الناس في جميع أنحاء العالم. حتى في فجر القرن الماضي وعلى الرغم من العيش في ظل ظروف معادية من الفقر المدقع في الزاوية الجنوبية لبلد تحت حكم صاحب سيادة أجنبية، وبالإضافة إلى كتابة قصائد ومقالات نارية تتصدر قضية النضال من أجل الحرية في بلده، فقد كتب على نطاق واسع عن العديد من الأحداث المهمة التي كانت تحدث في بلدان أخرى أيضًا.

في عام 1906 كتب مقالاً عن الهجوم الإرهابي بإلقاء قنبلة على موكب زفاف ألفونسو الثالث عشر، ملك إسبانيا حينها. وكتب مقالاً عن مصطفى كمال باشا وأفكاره الثورية، حتى قبل أن يصبح كمال باشا أتاتورك تركيا. وكما كتب عن تمرد التونغو في بورما.

في عام 1908 صوَّر في بيت شعر عَهد “مازيني” ورفاقه أبناء “إيطاليا الشابة” وهي منظمة ثورية. وفي عام 1915كتب قصيدة رائعة امتدح فيها بلجيكا على شجاعتها وعزيمتها الأخلاقية رغم هزيمتها في معركة “فلاندرز”. وفي عام 1917كتب البيت الخالد الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الأدب والذي أشاد بالثورة في روسيا. كما كتب أغنية جياشة العاطفة عن الحالة المزرية للعاملات في حقول قصب السكر في جزر فيجي، وكتب عن شعراء لغات أخرى مثل “شيلي” و”إليوت” وحتى عن قصائد الهايكو اليابانية.

كتب بهاراتي عن محاضر جلسات البرلمان الروسي والبريطاني، وعن إصلاحات السجون في الولايات المتحدة الأمريكية، وعن أميرأفغانستان، وعن حالة الفتيات الصغيرات في الصين، وعن الفصل العنصري في “ترانسوال” في جنوب أفريقيا، وغيرها الكثير.

حياة بهاراتي كانت قصيرة،  فقد توفي في 11 سبتمبر 1921 عن عمر ناهز 39 عاماً. واحتفلت الهند بالذكرى المئوية لوفاة الشاعر العظيم بهاراتي للاعتراف عالميًا بالمساهمات الكبيرة التي قدمها لأجل صياغة ودعم الوحدة الثقافية ومبدأ التعايش السلمي العالمي.

وفي هذه المناسبة، أتشرف بإصدار هذا الديوان. واخترت لذلك خمسا وعشرين قصيدة من مجموعة بهاراتي الشعرية التي رتبها ترتيبا زمنيا ونشرها “سيني فيسوفانادان” فله الشكر الجزيل وقد بذلت جهودي في صوغ هذه الترجمة صوغا عربيا حسنا، فأتقدم بخالص الشكر والامتنان إلى الشاعر الجليل أشرف أبي اليزيد الذي ساعدني في إنجاز هذه الترجمة وإعداد كلمة التحقيق الرائعة خلال فترة وجيزة وأشكر دار غالاكسي للنشر والتوزيع على نشر هذا الكتاب بأحسن وجه وكما أشكر الأخ أحمد ناصر وكل من ساهمني في هذا العمل، فجزاهم الله أحسن الجزاء.

في تحقيقه، كتب أشرف أبو اليزيد كلمة تقديمية بعنوان “جبرتي التّاميل يتأمل العالم شعرًا”: قال فيها: لا يغفل قاريء للتاريخ في مصر عن منجز عبد الرحمن الجبرتي  (1753 – 1825) ذلك المؤرخ المصري الذي عاصر الحملة الفرنسية فوثّقها في تاريخه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، بما جعله مرجعا لحقبته. لذا صرنا إذا صادفنا من يماثله لقبناه بالجبرتي.

ومن سيرته الموجزة، والوضّاءة، التي قدّمها الدكتور ذاكر حسين، أكاد أجزم أن الشاعر سوبرامانيا بهاراتي (1882-1921) هو جبرتي الثقافة التاميلية؛ فقد تأمّل من بقعته النائية في وسط آسيا والهند أقطار العالم بشمولية نادرة، وكأنه كان وكالة أنباء أدبية تمثل صدى لكل ما يجري في أرجاء المعمورة.

والواقع أن الشعراء في زمان سوبرامانيا بهاراتي اعتقدوا أنهم صوت أمتهم ولسان تاريخها، ولذلك حين نأخذ مجايله في مصر أحمد شوقي (1868 – 1932)، سنجد ذلك أيضا، حيث علق أمير الشعراء على الأحداث الداخلية والخارجية ونظم القصائد لأعلام زمانه وحوادثه

هكذا سجّل الشاعر التاميليه تقاريره الشعرية البليغة، دون أن ينسى أنه جبرتي يوثق  أسماء الأغنيات التي نصغي إليها، والرقصات التي نحاكي إيقاعاتها، ويُعرفنا على عوالم الورود التي نشمها، والطيور التي نراقبها على الأرض وفي السماء، وينقل لنا رائحة الطعام على النار، فهو شاعر الحواس الخمس بامتياز.

إلا أنني حين قرأت قصائد سوبرامانيا بهاراتي وجدت عوالم جديدة، خارج التجربة الجبرتية، تنظر للطبيعة بعين المحب، وكأنه راهب في محرابها. كما أن المختارات التي قدمها المترجم لتكون عنوانا لتجربة سوبرامانيا بهاراتي  وقفت على نحو كبير في صف المرأة وحقوقها، أما وأختا، وزوجة، ومناضلة، حتى أنه لم ينس تدبيج قصيدة يحيي فيها جهد عاملة المنزل.

أستطيع الزعم بذلك الوعي الكوني لدى الشاعر التاميلي، وهو مشاركة العالم أفراحه وأتراحه، مثلما يعلو لديه الحس المجتمعي بالعدل، والأخلاق، وكثير من المفاهيم الإيجابية الخاصة بالتنشئة. إنه الشاعر المقاوم بالكلمة، الذي يشعر بأن دوره يتجاوز الكتابة إلى التثوير وإذكاء روح المقاومة، وإن أناشيده لتصلح أن تكون بيانات ثورية للعمل والعمال، والبشرية كلها:

أنتم يا من تحمّون الحديد ويصهرونه

أنتم يا من تصنعون الآلات

أنتم يا من تعصرون قصب السكر

أنتم يا من تغوصون في البحار بحثًاً عن محار اللؤلؤ

أنتم يا من تتصببون عرقًا في ألف صنعة

أنا أثني عليكم أمجّدكم جميعاً

أنتم من تقومون بعمل “براهما” على الأرض. “

أرجو أن تجدوا في المختارات زادا من الثقافة والإمتاع، وأتمنى أن يجد الصديق الدكتور ذاكر حسين وقتا في المستقبل القريب لننهل المزيد من أشعار  سوبرامانيا بهاراتي، التي تفيض بالحكمة في ثوب غنائي رشيق، يقول إن الشعر الخالد عابر للأزمنة.

سيرة المترجم

الدكتور ذاكر حسين (1971) هو رئيس قسم اللغة العربية بجامعة مدراس، تشناي، الهند. حصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي من جامعة مدراس عام 1998 وشهادة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 2005. وهو مهتم بالآداب وترجمتها بين العربية والتاميلية؛ لذا ترجم العديد من المؤلفات العربية إلى التاميلية ومن ضمنها أشعار مختارة لمحمود درويش ونزار قباني وقصص مختارة لإحسان عبد القدوس

قام الدكتور ذاكر حسين بتعريب قصيدة “تروكرل” التاميلية القديمة وآتيشودي لآفايار وحصلت بعض ترجماته على جوائز وتكريمات. ومنها جائزة  “أفضل مترجم لعام 2016” لحكومة تاميل نادو. ويتمتع الدكتور ذاكر حسين بعضوية العديد من اللجان العلمية والأكاديمية في اللغة العربية في الهند وخارجها.

سيرة المحقق

أشرف أبو اليزيد (1963) روائي وشاعر وصحافي وكاتب لأدب الرحلة. يعمل في الصحافة الثقافية لأكثر من ثلاثة عقود. اختير شخصية العام الثقافية، جمهورية تتارستان، روسيا الاتحادية، 2012. حصل على جائزة مانهي في الآداب عام 2014 (كوريا الجنوبية). نال جائزة الصحافة العربية في الثقافة عام 2015 (الإمارات العربية المتحدة). مُنح الميدالية الذهبية في مهرجان أوراسيا الأدبي، استنبول، 2021، وميدالية اتحاد الكتاب الأفارقة لأبرز رعاة الآداب، 2022.  عضو اتحاد كتاب مصر ورئيس جمعية الصحفيين الآسيويين، ورئيس تحرير “آسيا إن” العربية؛ شبكة أخبار المستقبل، وشقيقتها الورقية “ماجازين إن” التي تصدر في سيؤول باللغات الكورية والإنجليزية والعربية، ورئيس تحرير سلسلة إبداعات طريق الحرير. منسق حركة الشعر العالمية في مصر. وشارك في مؤتمرات ومهرجانات ثقافية عربية وغربية دولية في كوريا الجنوبية وألمانيا والسعودية واليمن والكويت والإمارات وتتارستان وإيطاليا وتركيا والمغرب وسورية والأردن وسلطنة عمان وتوجو ونيجيريا. 

له 40 كتابا في الرواية والشعر وأدب الرحلات والسير الذاتية والترجمة وأدب الأطفال. صدرت بعض مؤلفاته الشعرية والروائية باللغات الإنجليزية، والألمانية، والإسبانية، والتركية، والكورية، والفارسية، والسندية، ولغة الماليالام في الهند.   نال شخصية العام الثقافية، جمهورية تتارستان، روسيا الاتحادية، 2012، وجائزة مانهي في الآداب (كوريا الجنوبية)، 2014، وجائزة الصحافة العربية في الثقافة (الإمارات العربية المتحدة)، 2015، ودرع الإبداع لنجيب محفوظ، السفارة المصرية،  دولة الكويت، 2015، وميدالية الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة، مصر، 2017، والميدالية الذهبية، مهرجان أوراسيا الأدبي، استنبول، تركيا، 2021، وميدالية أبرز رعاة الآداب، اتحاد الكتاب الأفارقة، إبادان، نيجيريا، 2022

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات