(فلاديمير بتخوفيتش توغوف): مُؤَسِّس علم الدِّراسات والنَّقْد الأَدَبي الأباظي

10:08 صباحًا الخميس 5 يناير 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
تشيركاسيا

ولد (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) يوم 25 نيسان 1935 في قرية )كويدان). وبعد إنهاء دراسِته في قريته في المدرسة الابتدائية، ومن ثم في (مدرسة نيكولاي المتوسطة)، التحق بكلية التاريخ و الآداب في (جامعة كوباردينو- بولكاريا) الحكومية، حيث أنهى الدّراسة فيها عام 1960 بامتياز ومرتبة الشَّرف.

وفي السَّنة عينِها، التحق بالعمل كباحث في قسم الآداب والفولكلور في (معهد الأبحاث في كاراتشايفو – تشيركاسيا).

وفي السَّنة التَّالية مباشرة بدأ الباحث الشّاب إبداعه بنشره مقالة في صحيفة (الأشارا الشّيوعية) بعنوان: (على الدَّرب الصَّحيحة)، والتي أتبعها بمقالات أخرى.

ومنذ عام 1965، بدأ (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) بنشر سلسلة من المقالات الأَدَبية عن أدباء الأباظة: (ب. تسيكوف)، (ك.د جيغوتانوف)، (ب. تخايتسوخوف)، (م. تليابيتشيفا)، (دج. لاغوتشيف).

وكانت أعماله هذه جادَّةً وتحليليَّة بمعظمها، تقدِّمُ دراسة لوضع الأَدَب القومي، وتحدد مساهمة كل أديب في تكوين أدب الأباظة الحديث؛ فصارت الدّراسات أساسًا للمونوغرافيا التي أصدرَها فيما بعد بعنوان: (تَكَوّن الأَدَب الأباظيِّ)، والصَّادرة عام 1966 في (مدينة تشيركاسك) بلغة الأباظة.

وكان هذا أول كتاب يصدره (فلاديمير بتخوفيتش توغوف)، وأول كتاب عن تاريخ الأَدَب القومي الأباظي.

وعن هذا الإصدار، كتبت صحيفة (الأشارا الشّيوعية)، مشيرةً أن العالم الشّاب (توغوف) استطاع أن يحيط بتاريخ أدب الأباظة من لحظة ولادته وحتى ستينيَّات القرن العشرين، وأنه استطاع أن يلقي الضَّوء بشكل جيد على الدَّرب الذي اجتازه هذا الأَدَب، ومراحل تطوره، والتَّجربة التي اختزنها .

وفي عام 1967، وعلى أساس “المونوغرافيا” المذكورة، أعدَّ (توغوف) أطروحة دكتوراه فلسفيَّة، وناقشها في (معهد تاريخ الأَدَب الجيورجي) التَّابع لأكاديميَّة العلوم في جمهورية (جورجيا) السّوفييتية بعنوان: (تكوّن الأَدَب الأباظي وتطوّره).

وهذا الجزء من سيرة حياة (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) أثارَاهتمام معظموسائل الإعلام القوميَّة؛ ففي نوفمبر من السَّنةِ ذاتِها، نشر (خ. جيروف) مقالة بيَّنَ فيها المعنى الكبير لهذا الحدَث، ليس فقط في حياة الباحث الأَدَبي الشَّخصية، بل في حياةِ الشّعب الأباظيَّ .
وبعد ثلاثِ سنواتٍ، أصدر (فلاديمير بتخوفيتش توغوف)– باللُّغة الرُّوسية- عملًا يُعْتَبَر في تلك الفترة الزَّمنية أساسيًّا بعنوان: (مقالات ودراسات في تاريخ أدب الأباظة)؛ فكان هذا العمل أكثر الكتبِ إحاطة وتغطية لتاريخ أدب الأباظة؛ حتى إنه لم يصدر حتى الآن عمل مُساوٍ لذلك الكتاب في أسسه وتقييمه، وفي اتِّساع الإحاطة بالموضوع وتغطيته، وفي عمق تحليل المواد التي خضعت للدِّراسة .
وقد حصل بعد حصوله على الدُّكتوراه، على لقب ومركز باحث متقدِّم. ومنذ عام 1973 أصبح أمين سِرٍّ علميًّا للمعهد، وقام بعمله بنجاح على امتداد أربعةَ عشرَ عامًا .
وفي عام 1988 نشر (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) على صفحات صحيفة ( ليتيراتورنايا روسيا – روسيا الأَدَبية) مقالة بعنوان: (المحافظة على الجنس القومي…) عن المصير التّراجيدي للأثنية الأباظية.

وقد أدت هذه المقالة إلى قلاقل بين القادة الحزبيين المحليين، وذلك بسبب إبداء رأيه وموقفه علنيًّا، ما جعله يدفع ثمنَها إنذارًا قاسيًا، فَطَرْدًا من وظيفته في (معهد البحث العلمي في جمهورية كاراتشايفو– تشيركاسيا).

وللقيام بهذه الخطوةِ، اضطر القادةُ الحزبيُّون ومَن يدور في ركابهم من المصفِّقين والمزوِّرين أن يعيدوا عملية التَّصويت عدة مرات، وأن يمارسوا الضُّغوط النَّفسيَّة والماديَّة على أعضاء المجمع العلمي للمعهد. ورغمَ أن كثرين منا ليسوا مستعدين أن يقوموا بفعلٍ وطني- كفعل (فلاديمير بتخوفيتش توغوف)- يفقدون بسببه عملهم، لكن ناقدنا (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) قامَ بهذا. وما كان يُنْظَر إليه في الثَّمانينيات على أنه “دراما” و”مأساة”، أصبح اليومَ مسألة شرف وافتخار .
وبسبب الوضع الذي حصل عام 1988، اضطر (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) للانتقال إلى العمل في معهد المعلمين الحكومي لجمهورية كاراتشايفو– تشيركاسيا: في البدايةِ كانَ أستاذًا مشاركًا في قسم الآداب، ثم صار عام 1992 رئيسًا لهذا القسم. وبعد سنتين، رُقِّي إلى رتبة بروفيسور، وافتتح في القسم برنامج الدُّكتوراه .
ولم يدخل (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) إلى الأَدَب الأباظيّ كدارِسٍ وناقِد فقط، بل كمتخصص محترف في “الفولكلور”.

ومن عام 1965 وحتى 1994، أصدر خمسة كتب “فولكلورية للأطفال” تحتوي على أقاصيصَ قوميَّةٍ وحكاياتٍ فولكلورية، أكثرها أهمية بلا شك يبقى كتاب (حكايا أباظية شعبيَّة)، الصَّادر عام 1985 في (موسكو)، والذي طبعَ منه ألف نسخة. ولم يقم (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) فقط بجمع المواد الشَّعْبِيّة وإِصْدارها، بل قام بدراستِها وتحليلِها. ودراساته في هذا المجال أدَّت في خاتمتها إلى إصار عمل علمي جامع بعنوان:  (ذاكرة القرونِ وحكمتها) الَّذي صدَرَ عام 2002.

وهذا العَمَلُ في جوهرِهِ عبارة عن دراسة تفصيليَّة لكل المواد الفولكلوريَّة التي جُمِعَتْ ونُشرَتْ حتى اليوم من شعب الأباظة.

ولا يمكن إلا أن نذهل من اتِّساع الإحاطة بالمادة المدروسة، وأن نغبط الباحث على مقدرته الدَّقيقة في أن يُرْفِق بالمواد المدروسة معلومات موسوعية أسطوريَّة، دينيّة، تاريخيّة، أدبيّة، إثنوغرافيَّة؛ ما ساهم في شرح الموضوع بشكل فلسفي عميق أدى إلى  نشره كبحث معرفي تنويريٍّ.  
ففي كتاب (ذاكرة القرونِ وحكمتها)، تتمثل كل أجناس الفولكلور الأباظي من خلال دراسَةٍ علميَّة منطقيَّة مُعاصرة جمعت إلى هذا الأُسلوبِ سعةَ الإحاطةِ  بموضوع الدّراسة؛ لذا لم يكن من الصُّدفة، بل كنتيجة منطقيَّة وطبيعيَّة أن يقوم (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) في الخامس من أيلول عام 2003 بمناقشة أطروحة الدُّكتوراه العلميَّة في (جامعة الأديغي الحكوميّة) في تخصصين اثنين هما: علوم الفولكلور، وآداب شعوب الفدرالية الرُّوسيَّة؛ فكانت أطروحتُه التي تحمل عنوان: (فولكلور وأدب الأباظة: ديناميكية التَّداخل) عملًا جامعًا كان خلاصة ما بحثه وحللَّهُ خلال أربعين عامًا في عالم الفولكور والأَدَب.

وخلال عمله الإبداعي، نشر (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) ثمانين كتابًا، بينها عدة دراسات- مونوغرافيا، وكتبًا فولكلوريّة، بالإضافةِ إلى كتبٍ تعليمية للمدارس الأباظيَّة؛ منها:  (تاريخ الأَدَب السّوفييتي ذي القوميات المتعددة)، (تاريخ الأَدَب العالمي)، (المُعْجَم الأباظي- الرّوسي)… وغيرها، فإذا به يقطع الطَّريق من باحثٍ مبتدئ إلى أمين سر علمي لـ (معهد الأبحاث في كاراتشايفو- تشيركاسيا)، إلى رئيس قسم الآداب في (جامعة كاراتشايفو- تشيركاسيا الحكوميَّة)، إلى دكتور العلوم الأَدَبية، إلى بروفيسور يحمل لقب الشّرف: “رجل العلوم الجدير للفدرالية الرُّوسيَّة”. وبهذا أصبحَ- بالفعلِ لا بالقول- مُؤسِّسَ الدِّراسات الأَدَبيَّة والنَّقديَّة في الأَدَب الأباظيّ .
وقد توفي (فلاديمير بتخوفيتش توغوف) في 21 شباط 2006 ، وفي أيلول عام 2011 أطلِقَ اسمه على المدرسة المتوسطة في قريته (كايدان) .

[بيتر تشيكالوف: بتصرف]

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات