حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ23 | شكرًا يا ديكَ الجدّة

09:32 صباحًا الجمعة 14 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

الجدّة (تشرب الشاي): يا لَلشّايِ اللَّذيذِ!

الجدّ (يشربُ): أنا- أعوذُ باللهِ من كلمةِ أنا- خيرُ مَن صنعَ الشَّايَ كالعقيقِ.

سامي: أنا لا أحبُّ الشَّايَ إلا معَ الكعكِ.

الجدّة (تشرب شايها وتستنكر): الكعكُ يفسدُ جمالَ لونِ الشَّايِ ونكهَتَهُ.

الجدّ: أنا معكِ يا مهيبة خانمْ، فالشَّايُ المصنوعُ للشُّربِ يحتاجُ إلى براعةٍ ليكونَ لونُه ُكالعقيقِ وطعمُهُ وطعمُهُ (ينتظران أن يكمل الجملة… يتابع): كالشَّايِ.

الجدّة: أما شايُ الكعكِ، فيستطيعُ أيُّ شخصٍ أن يصنعَهُ بمجردِ أنْ يضعَ كيسًا جاهزًا من السُّوقِ في كوبِ ماءٍ لم يبلغْ حتى درجةَ الغلَيانِ، ويغمسُ فيه كعكتَهُ…

الجدّ: باختصارٍ: شايُ الكعكِ هو شايُ الأطفالِ…

سامي (يضحك): حسنًا…سأقومُ لأُحضرَ كعْكًا إذنْ، بانتظارِ أن يقررَ أحدُ الجدّينِ أن يحكي حكايةً…

الجدّة (بحماس): أنا ما زلتُ متأثرةً بموضوعِ الحكماءِ الذينَ ينقذونَ الآخرينَ؛ ولكن…

سامي (من المطبخ): لا تكملي يا تيتا مهيبة!

الجدّة (تضحك): لم أبدأْ لأكملَ…

الجدّ: انتظريهِ!

سامي (يعود): لكن ماذا؟

الجدّة: أحيانًا، ننقذُ- بحكمتِنا، وعن سابقِ إصرارٍ وتصميمٍ- مَن نحبُّ، رغمَ أننا نعرفُ عيوبَهُ الكبيرةَ.

سامي: لم أفهمْ!

الجدّ: لم أفهمْ!

سامي: كيفَ؟

الجدّة: كما أنقذَتِ الجدّةُ فريدةُ ديكَها المشاغبَ.

سامي (بفرح): ما زلْنا في أجواءِ الدَّجاجِ يا جدي… فهلْ أنقذَ الدِّيكُ الجدّةَ فريدةَ كما أنقذَتِ الدّجاجةُ الشَّابةُ الدَّجاجَ؟

الجدّ (يسأل): هلْ؟

الجدّة: بل على العكسِ تمامًا… يعني…

الجدّة (بغضب): لا تحرِقا الأحداثَ!

الجدّ وسامي: لن نحرقَ!

(ب)

الجدّة: “ليسَ ديكًا عاديًّا”!قالَتِ الجدّةُ الثَّمانينيّةُ (فريدة) ذات الشَّعرِ الخفيفِ الأحمرِ والعينينِ الزَّرقاوين هذا وهي تنظرُ بحسرةٍ إلى ديكِها الضَّخمِ وقد رَبطَ جارُها اللَّحامُ قدميهِ ورماهُ عندَ قدمَيْها، مهدِّدًا بذبحِهِ للمرةِ العاشرةِ والأخيرةِ هذه المرةِ إنْ لم تجدْ حلًّا له.

سامي(يشهق): للمرةِ العاشرةِ؟

الجدّ: اللَّحامُ شخصيًّا يهددُ بذبحِهِ؟

سامي: وماذا يفعلُ ديكٌ حتى يثيرَ غضبَ اللَّحامِ؟

الجدّ (بإشفاق): ديكٌ صغيرٌ مسكينٌ!

سامي(بإشفاق): وقعَ بين يديّ لحامٍ؟

الجدّ: وقعَ؟ لا أعرفُ إنْ كانَ فعلًا قد وقعَ، فلا تنسَ يا سامي أنه صفحَ عنه تسعَ مراتٍ..

سامي (لجدته): لماذا صفحَ عنه تسعَ مراتٍ؟

الجدّ: بل لماذا أرادَ ذبحَهُ عشرَ مراتٍ؟

الجدّة (تحرد): لن أكملَ…

الجدّ وسامي (معًا): بل أكملي…

الجدّة: لا تقاطعاني!

الجدّ (لسامي): لا تقطعْ سلسلةَ أفكارِ جدتِكَ مهيبة خانمْ يا سامي!

سامي: حسنًا! حسنًا! وأنتَ يا جدي لا تقطعِ السّلسلةَ…

الجدّة (تكرر بحزم): لا تقاطعاني!

سامي وجده: لن!

الجدّة (تتابع بعد أن تتنهد): كانتِ الجدّةُ فريدةُ تنظرُ إلى ديكِها- الذي ربتهُ مذ كانَ صوصًا- نظرتَكما ذاتَها، مُشفقةً عليهِ، مفعمةً بالحبِّ، رغمَ أنها تعرفُ أنه يهاجمُ كلَّ من يمرُّ بالقربِ من حديقةِ منزلِها، إنسانًا كانَ أو حيوانًا، وينقرُهُ حتى لم يعدْ أحدٌ يجرؤُ على المرورِ من الطريقِ الذي يقعُ فيه بيتُها.

سامي: تشفقُ عليه، وتحبُّه، وتعرفُ أنه مشاغبٌ.

الجدّ: تعرفُ وتعترفُ أنه مشاغبٌ.

الجدّة: وجربَتْ كلَّ الوسائلِ؛ من: إغلاقِ بابِ الحديقةِ، إلى سَجنِهِ في قفصٍ، إلى إغلاقِ بابِ الخمِّ، ولكن…

سامي: مِن دونِ فائدةٍ!

الجدّة: ولكن… فجأةً، خطرتْ ببالِها فكرةٌ قد تكونُ الأخيرةَ قبلَ أنْ يصبحَ ديكُها حساءً يأكلُ منه أهلُ القريةِ الذينَ ينتظرونَ ذلكَ اليومَ بفارغِ الصبرِ ليتخلصوا من الدِّيكِ الذي أغلقَ طريقًا من دونِ أن يرفَّ له جفنٌ.

سامي: والفكرةُ؟

الجدّة: أسندَتِ الجدّةُ فريدةْ السّلّمَ الخشبيَّ العتيقَ على بابِ سقيفةِ مطبخِها، وصعدَتْ بسرعةٍ، فأنزلَتْ مرآةَ عرسِها القديمةَ الثَّقيلةَ الَّتي خبَّأتها هناكَ منذُ أكثرَ من ستّينَ سنةً، وأسندَتْها إلى الجدّارِ قربَ البوابةِ.

الجدّ: مرآةٌ؟

سامي: لماذا؟

الجدّ (ضاحكًا): لتريهِ أنه بشعٌ حينَ يكونُ شريرًا؟ كما تفعلُ الأمهاتُ حينَ يردْنَ أن يقتنعَ طفلٌ بكّاءٌ بالكفِّ عن بكائِهِ؟

سامي: أو لتراقبَ اللَّحامَ من خلالِ المرآةِ فتخبئَ ديكَها؟

الجدّ: أو…

الجدّة: لم تحزرا!

سامي: إذنْ؟

الجدّ: إذنْ؟

  الجدّة (تشرح): ليعتقدَ أنَّ ثمةَ ديكٌ ينظرُ إليهِ بشراسةٍ، ويتحداهُ، فلا يهربُ منه كما يفعلُ الجميعُ، بل يهرعُ إليهِ لينازِلَهُ، فما عليه- إذن- إلا أن ينقرَهُ.

الجدّ: ونقرَهُ.

الجدّة: مراتٍ ومراتٍ…

سامي: حتى…

الجدّ: جاعَ.

سامي: وتعبَ…

الجدّة: فأكلَ بهدوءٍ وهو يلهثُ، ثم ذهبَ إلى…

الجدّ: خمِّهِ…

سامي: مرهَقًا!

الجدّة: ونامَ حتى صباحِ اليومِ التَّالي، إذ استيقظَ ليجدَ غريمَهُ الشّريرَ منتظرًا…

الجدّ (ضاحكًا): فهرعَ إليه لينقرَهُ.

سامي (ضاحكًا): مراتٍ ومراتٍ.

الجدّة (ضاحكة): وحصلَ بالضّبطِ ما حصلَ قبلَ يومٍ ويومينِ وثلاثةِ أيامٍ…

(ت)

الجدّة: وصارَ النَّاسُ يمرونَ من ذلكَ الطَّريقِ والحيواناتُ أيضًا.

الجدّ: يجبُ أن تفصَّلَ مرآةٌ كمرآةِ الجدّةِ فريدة لكلِّ مشاغبٍ من الحيواناتِ. أما النَّاسُ، فإلى جانبِ التّربيةِ المستقيمةِ والتّمسكِ بأهدابِ الدينِ…

الجدّة: الرّياضةُ.

الجدّ: بأنواعِها.

سامي: شكرًا يا ديكَ الجدّةِ فريدة!

‏‏

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات