القديس الذي حَلّق بعيدًا منذ خمس سنوات!

02:38 مساءً الخميس 25 مايو 2023
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حين نقلتُ إلى المكتبة العربية ـ وللمرة الأولى ـ  قصائد الشاعر والراهب الكوري الأشهر تشو أو ـ هيون، في ديوانه (قِدِّيسٌ يُحلق بعيدًا)، بترجمة عن الإنجليزية أحسستُ أنني أنقلُ قطعة من روح كائنة في معبد (بائيكدام) الذي تلامس يداه السماء شمال غرب كوريا الجنوبية، قصائد الراهب (ماناك)، الذي يحتفظ باسمه البوذي (موسان)، تلك الأشعار التي يمكن أن تبدّل حياة بأخرى، وتصنع عالمًا من الحكمة يعيش بها المرءُ؛ حين يقرأ، وحين يتذكرُ، وحين يتأملُ.

في عيون القراء المصريين، من الأدباء والفنانين، الذين اجتمعوا في القاهرة خريف عام 2013 للاحتفال بهذه الترجمة، رأيتُ ذلك الإعجاب لقصائد  تشو أو ـ هيون، القصائد التي صاغها في قالب سيجو، ذلك النوع الشعري الأصيل الذي تمتد جذوره إلى الشعر الكلاسيكي الكوري وقد تطور من جيل إلى آخر ليكون الشكل الأنسب والأكثر استخداما في التقاليد الشعرية لدى الشعب الكوري، ولتصبح أغنيات الزمن تعبيرا عن فلسفة قديسنا، أحد أبرز من كتبوا هذا اللون، مقدما فلسفته البوذية في أشكال شعرية بديعة.

من وحي قصائد هذا الديوان رسمت ابنتاي الصغيرتان هدى وفدوى بطاقاتٍ ملونةً، حملتُها معي لأهديها لصديقي الراحل، فقبّلها، ووضعها في الصندوق الخاص بها، معبرا عن امتنانه وتقديره؛ ولم لا وهو الرسام بالكلمات والريشة معا، وقد اختار لابنتيّ هدايا لا تزالان تعتزان بها.

خمس سنوات مرت على رحيل تشو أو ـ هيون، زمن طويل للغياب، لكنه لا يغيب عنا ، ففي كل يوم أتصفح كتابه وكأني أحييه، وحين أزور سيول، أتذكر كلماته:

صَعَدْتُ أعاليَ جَبلِ (نامسان)، راقبتُ الشمسَ وهْيَ تأفلُ غاربةً. كانت مدينة (سيئول) سربًا من زبدٍ أحمر داكن يتغرغر. هذا هو جسدي؛ لم يكن أكثر من مجرد عَلقةٍ عالقةٍ في ورقةٍ طحلبٍ في هذا السرب.”

أما في القاهرة، فأرى كل سحابة تذكرني به، وكأنها الغيمة التي حلّقت بقديسنا إلى الأعالي، وأرى كل طائر مهاجر وكأنه مرسال منه يشدو بكلماته المحبة للطبيعة، وأرى في ابتسامة كل وردة تلك الروح المرحة التي لا تغيب عنها الشمس.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات