فاطمة حمدي | قصتان قصيرتان

09:30 صباحًا الخميس 31 أغسطس 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 * بلاغ الضياع *

بقلم السيدة فاطمة حامدي  الجمهوريّة التّونسيّة  21 أوت .2023

أخذت القطّة بين ذراعيّ وعدت بها إلى المنزل   وقدّمت لها ماء وطعاما  وفتحت  الهاتف في صفحة البلاغات والإعلانات لأتأكّد من مواصفات القطّة  المفقودة وصرت أقلّب النظر بين الصّورة المرتسمة على شاشة الهاتف و الحيوان الّذي أمامي …إنهما صورتان متطابقتان وبعد أن تأكّدت من أنّ الصورتين متماثلتان ، التقطت صورة للقطّة وهي في بيتي  وبعثت بإرساليّة قصيرة  على تطبيق  “المسنجر”أعلن فيها بأنّي وجدت القطّة المفقودة  وأكدت الخبر بالصّورة وكتبت عنوان منزلنا ورقم هاتف أمّي .

الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها… أعدت شعباً طيب الأعراق””.وصدق الشاعر حين قال :

اندهشت تلك السّيّدة من ردّ أمّي  ومن موقفها   وأرجعت الضّرف إلى حقيبتها ثمّ قالت وهي تخاطبني : ” إنّ قطّتي  حامل ، وأعدك بأن أهديك قطيطة منها  بعد أن تستكمل فترة الرّضاعة “.ففرحت بالهديّة فرحة كبيرة  وقفزت  إلى ذهني  فكرة البحث عن اسم جميل لقطيطتي .

بلاغ الضياع

 على موقع  التواصل الاجتماعي فيسبوك قرأت إعلان ضياع قطّة  ونشرت صاحبة القطّة أنّها تعد من يجد القطّة ويعيدها إليها ستمنحه مبلغا قيّما من المال قيمته ألف دينار .وتحت البلاغ كتبت عنوانها ورقم هاتفها .

  مرّ الوقت بطيئا وأنا أنتظر صاحبة القطّة تأتي …وجالت بخاطري أفكار غريبة  وراودني شعور بالنّدم ….فكم أعجبتني تلك القطّة اللّطيفة  …لعلّي تسرّعت عن الإبلاغ بوجودها عندي … ماذا لو تركتها عندي ….وسرعان ماعاد لي رشدي وتذكّرت جملة غالبا ما توصينا بها أمّي وتقول:” إنّ متاع النّاس للنّاس:لأصحابه”.

   وبينما أنا في عراك مع  بنات أفكار إذ رنّ جرس المنزل  فتقدّمت أمّي لفتح الباب وأنا أتبعها والقطّة بين ذراعيّ ، قفزت فجأة وارتمت في حضن الزائرة  التّي احتضنت قطتها  وغمرتها بالدموع .فكم كان الموقف مؤثّرا .دخلت الضيفة  المنزل  وهي لا تكاد تصدّق بأنّ صديقتها  بين يديها ، وما إن اعتدلت في جلستها حتّى رويت لها قصّة البحث عن القطّة “مي مي ”  …..ولمّا أنهيت السّرد حتى امتدّت يدها  تربّت على كتفي ، ثمّ فتحت حقيبتها اليدويّة وأخرجت منها ضرفا منتفخا وهمّت بمدّه لي  لكن سبقتها يد أمّي  لتردّ  الظرف إلى الحقيبة وهي تقول لها :” لم ينقطع فعل  الخير من الدّنيا  يا سيّدتي …وما فعله ابني اليوم  أنا أفخر به ، كم كان رحيما بتلك القطّة  التّي تاهت في أيّام الصّيف الحارّة وكانت عرضة للمخاطر، وقد تكون فريسة تلك الكلاب السّائبة ، فكم فرحنا لنجاتها….كما أنّني  غالبا ما كنت أوصي أبنائي بان لا يمدّوا أيديهم  إلى ممتلكات الغير، وإن أحسنوا إلى أحد فلا يقبلوا مقابلا ماديّا ….لأنّ فعل الخيرات  من نبل  الأخلاق “.

  وقبل أن تغادر سجّلت تلك السيّدة رقم هاتف أمّي ووعدتها بأن تبقى باتصّال بنا ريثما تلد القطّة وتفي بوعدها لي .ثمّ احتضنت قطّتها وودّعتنا على  أمل في لّقاء  قريب  و غادرتنا  والفرح يغمرها والأمان .

ولحسن الحظّ كنّا نقاسمها الحيّ نفسه ، ولم يكن منزل تلك السيّدة بعيدا عن منزلنا ، وذلك شجّعني على الخروج  إلى حديقة المنزل رغم حرارة الطّقس  لأبحث عن القطّة  ،فالقطط  بطبعها أليفة تتردّد على منازل الجيران وتأنس للأطفال .جبت  حديقة منزلنا  ونظرت في الشجار فالقطط تهوى تسلّق الأغصان ،ذهبت  إلى قفص الدّجاج فمن عادة القطط ممازحة الفراخ ….ولكن دون جدوى  ، فتحت باب الحديقة لأطلّ  على النّهج الممتدّ علّي أرى القطّة هنا أو هناك ….وسرت في النهج  أتبع قدماي وأنا أردّد “بِشْ بِشْ”….”بِشْ بِشْ”. وما كدت أيْأسُ من لُقْيَتِها  حتّى تناهى إلى سمعي  مواء ضعيف لا يكاد يسمع  فدنوت من اتجاه الصوت ….وكم كانت فرحتي عارمة …إنّها قطّة رماديّة اللّون  تاهت وقد أضناها العطش في يوم قائظ شديد الحرّ ،احتمت بجذع شجرة ظليلة يتشرّب من تحتها ماء بارد تمتصّه على مهل …..مددت للقطّة يدي  كي أمسك بها وآخذها فطاوعتني وانقادت ، كانت قطّة نظيفة و في غاية من الجمال : وجهها مستدير وعيناها زرقوان زرقة السماء الصّافية يحيط بهما وبر أسود كثيف ناعم  ،و وبر بنيّ  فاتح  يكسو بقيّة جسمها .   يا لجمال تلك القطّة والأجمل هو أن نتحلّى  بقيم الرّحمة  والرّفق بالحيوان  وأن نرجع الأمانات إلى أهلها ، وأن لا نأخذ ما هو ليس لنا  ليسود الأمان وصدق من قال “متاع النّاس للنّاس “.

بقلم السيدة فاطمة حامدي  الجمهوريّة التّونسيّة  21 أوت .2023

خضراء والغصن المحروق

كانت  الطّفلة “خضراء” تعشق الأزهار فكانت شرفة غرفتها  مزدانة بأصص كانت قد غرست فيها  أنواعا شتّى ومختلفة من الأزهاروالنّباتات  و كانت تجمع من المطبخ تلك المياه التي تستعملها أمّها في غسل الخضر والغلال في مرشّ  وكانت  تواضب على سقي نباتاتها وتفقّدها ، لذلك كانت محبوبة لدى طّيورالغابة المجاورة لبيتها إذ كانت  تلك الطّيور تتردد على شرفتها تشدو لها أعذب الألحان كذلك الفراشات والنحلات ونسمات الصّبح تهبّ على أهل البيت  محمّلة بهواء منعش بالأكسيجين ممتلئ .

 وذات  صباح بينما خرجت خضراء تتمشّى في الغابة المجاورة لبيتها تبغي التنزّه في أرجائها  ،كانت تسير وتلقي بنوايات هنا وهناك  ، نوًى كانت قد  جمعتها  بعد ان استلذت طعم ثمارها: خوخ ومشمش وبرقوق:(عوينة) وحتى نوى التمر كانتخضراء تلقي به في الغابة ،  والأرض تحتضن تلك  النوايات  ومع  الأعوام  تنمو في الغابة  شجرات مثمرة  تغدو في مختلف الفصول مثقّلة بثمارها .

   في ذلك اليوم وبينما كانت الطّفلة تسيرفي الغابة  فجأة  التصق طرف فستان “خضراء” الجميل بغصن  بدا  جزء منه أسود كالفحم  يحدّ من خطواتها وكأنّه  يطلب منها الرّحيل  فصاحت  خضراء  :” أيّها الغصن الشرير فستاني هذا من الحرير  وقد مزقته وهذا خطير ” . نظر الغصن إلى الفستان وامتلأ قلبه  بالأحزان  . لكنّ خضراء  سرّحت ثوبها واستمرّت في جولتها وقد انفعلت وسارت غاضبة وأرادت ان تشكو ذلك الغصن الى سيدة الغابة إلى تلك السّنديانة  تلك الشجرة الضّخمة  وارفة الظلّ  دائمة الخضرة تتوسّط الغابة أغصانها تلامس الأرض  يراها النّاظر كأّنّها الملكة  على عرشها   

 ولما كانت تمشي في طريقها إلى تلك السّنديانة  لفت انتباه خضراء  أثار حريق  فتوقفت قليلا  واسترجعت صورة ذلك الغصن الّذي شدّ ثوبها وفكرت كثيرا ثم  رجعت أدراجها (رجعت من حيث جاءت) إلى أن وصلت ذلك الغصن الفاحم فكلمته  وقالت :” هناك غير بعيد منك آثار حريق وهذا بالحدائق لا يليق. “

فهزّ الغصن رأسه  متأسّفا  وقال :”  اسمعي يا طفلة كانت حدقتنا في ابهى حلة  حتى حان ذلك اليوم  العصيب  كل شيء فيه كان  رهيبا ، يومها دخلت  جماعة من الناس  يحملون  طعامهم في أكياس  وبعد ان أكملوا طعامهم و قضوا أجمل الأوقات  دخن احدهم سجارة ودون التفكير في أضرارها  الخطيرة  ألقى بقاياها في عجالة  فاشتعلت نار متوقّدة جعلت الأشجار جمرا مستعرا  نارا موقدة التهمت  الشجر والزّهر والثّمر، حتى حيوانات الغابة لم تنج من ألسنة النار ووهجها  “.

  تألمت خضراء للحكاية  المريرة  وعلمت بعدها أن الغصن الذي استوقفها  واعترض طريقها  لم يكن شريرا   بل بطلا  متيقظا شهما مغيرا يحمي الغابة  فارادت ان تكون  في صفه وتعينه  على امره فقالت :

– نرفع  شكاية  إلى ما تبقى من حيوانات الغابة : نختارمنها  الطّيور فهي سريعة ومحلّقة في الأجواء وبذلك تتولّى حراسة الغابات  وكلّ من يدخل الغابة دون استئذان  تنقره فيعود من حيث يأتي .”

أجاب الغصن مرتابا :” أترينها توافق؟ ”  ردت خضراء  بثقة : اتبعني وسيحلّ المشكل في دقيقة . نثرت  الطفلة حبّا فتجمّعت الطّيور حولها تلتقطه فهي بذلك عوّدت خضراء طيور الغابة كلّما سنحت لها الفرصة  لزيارة الغابة .وأمام تلك الطيور المتجمّعة قالت خضراء تشتكي  :” لقد مررت بالغابة  فأرعبتني الحقيقة  فعلينا أن نشكل فريقا لنحرس مداخل الغابة ومنافذها ونعاقب  كل من يتلف أشجارها الجميلة ويسبب  فيها حريقا  “

أعجبت الحيوانات  بكلام الطفلة  فخاطب الغزال الأرانب والطّيور وقال :”أحضروا شتلات وبذورا سنغرس  أشجارا وزهورا  وسنضع   في كلّ  منفذ  مصباحا  منيرا  سنحتاج سياجا متينا  على بابه  نعيّن حارسا  أمينا شهما قويا.  أسمعتم ؟

  وهكذا  شكّل الجميع فريقا يسهر على سلامة الغابة وأمنها   وتقدّمت مجموعةمن الأغصان المتينة القويّة وتراصّت الغصن قرب الغصن فبدت وكأنّها بنيان مرصوص وحتى ذاك الغصن المحروق  كان  لهم رفيقا ريثما تلتئم  جراحه ويينع فبمرور الايام سوف  تصبح تلك الأغصان أشجارا مورقة و مزهرة ومثمرة فالأشجار تتكاثر بالا فتسال فالتكاثر الخضري  سريع .

 اتحد الجميع حتى استعادت الغابة  خضرتها وجمالها  وصار لا يدخلها إلّا من كان للبيئة صديقا   وهكذا اينما وليت وجهك  أبصرت الأشجار الباسقة الخضراء يشعّ منها نورمنعكس على أوراق طريّة بدت كأنّها المرآة ،وتنبعث منها زقزقةالعصافير شجيّة   و تنسّم هواء  عطر منعش  .وعندما همّت خضراء بالعودة  إلى منزلها انهمر مطر غزير يسقي الأرض  ويمسح عن الأشجار غبار لصق بها  ….انتظرت خضراء  حتّى صحا الجوّ وأشرقت الشّم واصلت طرق العودة  بعد أن علّقت على على أحد مداخل الغابة آية كريمة  تدعو زائري الغابة  بأن يحافظوا على سلامة الحياة في الغابة ” ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ”  . 

بقلم: فاطمة حامدي ، تونس، 25 أوت   2023 ***لتنمية المهارات البيئيّة لدى الطّفل .    

One Response to فاطمة حمدي | قصتان قصيرتان

  1. فاطمة حامدي رد

    17 سبتمبر, 2023 at 5:37 م

    ألف شكر

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات