جلال نصّار: واضحة وصريحة …

01:33 مساءً الأربعاء 18 أكتوبر 2023
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يجب علينا الإقرار بحقيقة صادمة الا وهى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تحول قطاع غزة إلى مكان غير قابل للعيش فيه من خلال حصار القطاع الممتد منذ 16 عاما وأحكمت هذا الحصار بعد هجوم الفصائل الفلسطينية عليها يوم 7 أكتوبر 2023 بقطع المياه والكهرباء والوقود وكل سبل الحياة لتصل بنا إلى حقيقة صادمة يحاول البعض إنكارها والهروب منها هى أن مخطط تهجير سكان القطاع إلى سيناء يسير بوتيرة سريعة كنتيجة لحالة إنفجار مؤكدة و ليست محتملة على الحدود المصرية مع القطاع سيقوم بها الغزاويين هربا من جحيم الحياة؛ و كانت قمة المأساة الإنسانية مذبحة قصف مستشفى المعمدانى فى رسالة ردع – وفقا للمفهوم الإسرائيلى – إلى كل دولة أو شعب يفكر مجرد التفكير فى التدخل فى الصراع الدائر؛ رسالة إلى كل مستشفى ومنشأة و مؤسسة فى مصر و الأردن ولبنان و سوريا و إيران و العراق و العواصم الخليجية…

إسرائيل التى فشلت فى حربها مع حركة حماس و بقية الفصائل الفلسطينية فى القطاع؛ و فشلت منظومتها المخابراتية فى كشف نوايا و تجهيزات و تدريبات الفصائل على الهجوم؛ و فشلت فى الحصول على خريطة بشبكة الأنفاق و المخابىء و مخازن السلاح داخل القطاع تحول هذا الفشل إلى عقاب جماعى و إبادة جماعية لــ 2.3 مليون فلسطينى مع إستدعاء لكل مخططات التهجير و التوسع الإستيطانى التى تهدف إلى طرد سكان غزة و توطينهم فى سيناء مع عدم السماح لهم بالعودة مثلما حدث مع كل الشتات الفلسطينى…و إذا كان المبرر الإسرائيلى أنها تسعى للقضاء نهائيا على حماس و البيئة الحاضنة له فى قطاع غزة؛ و أن العقاب الجماعى و الحصار بسبب أن سكان القطاع ينتمون لذات التيار الذى أنتج حماس هو مبرر يمكن الدفع به لخدمة وجهة النظر المقابلة التى تقول أنه يجب إستهداف كل الشعب الإسرائيلى لانه هو الذى أتى بتلك الحكومة اليمينية المتطرفة ويبج أن يتحمل نتيجة أفعالها وسياساتها؛ وأن غالبية الشعب الإسرائيلى هم قوات إحتياط فى الجيش ولا تنطبق عليهم حصانة المدنيين…

إسرائيل تقدم على إرتكاب كل تلك الجرائم لتأكدها من رد الفعل العربى وأن الخطاب السياسى و الإعلامى الرسمى المعلن أسقط خيار الحرب و المواجهة أو حتى التلويح بها بل غرق فى الحديث عن الخسائر و الطامات الكبرى التى تلحق بأى بلد يفكر فى الحرب خاصة مع إسرائيل المدعومة أمريكيا و دوليا بالتوازى مع أجيال ترعرع أجيال تربت على هذا الخطاب و أمتد الخط ليشمل فكرة دعم المقاومة المسلحة التى شرعها القانون الدولى فى مواجهة المحتل؛ وأختار العرب السير فى مسارات موازية وخطط طريق عديدة رسمتها إسرائيل والراعى الأمريكى على مدار نصف قرن تسقط خيار المقاومة و تسقط حيثية و أهمية القرارات الأممية التى تضع أطر الحل النهائى و ترسم الحدود و تعيد الحقوق و اللاجئين وتجمع الشتات فى الوقت الذى كانت تعمل فيه إسرائيل على تنفيذ كل أهدافهما لتغيير ملامح الخريطة و تهجير الفلسطينيين و إطلاق بناء المستوطنات و التغاضى عن إنتهاكات المستوطنين فى ظل سلطة فلسطينية عاجزة كان خيارها الأول هو الخيار السلمى و إسقاط خيار المقاومة و تكبيلها و إدانتها فى معظم ما صدر عنها من بيانات و مواقف فلم يعد لديها أوراق تفاوض بها وعليها…لم يدرك العرب هشاشة إسرائيل و نقاط ضعفها التى تنكشف أمام صواريخ بدائية تمتلكها المقاومة الفلسطينية فما بالك بصواريح حقيقة تمتلك قوة تدمير أكبر تصل إلى كل شبر فى إسرائيل و لن تفلح معها القبة الحديدة – على فكرة هكذا يفكر الإسرائيليون – و أن صغر مساحة دولة الإحتلال و المدن المكتظة بالسكان نقطة ضعف كبرى و يجعلها مكشوفة عسكريا لذا تفضل أن تنقل الحروب و المواجهات خارج أراضيها التى تسيطر عليها، و تبادر بما تعتقد أنه ردع و تقسو على من تهاجمه دون تقيد بأى قوانين أو مواثيق أو أخلاق كرسالة لمن يفكر أن يخترق الحدود الحمراء التى تضعها و يباركها حلفاءها… و تخشى أن تفتح أكثر من جبهة حتى ولو كانت المواجهات مع جماعات مقاومة تسليحها لا يقارن بالترسانة الإسرائيلية المتطورة… و تخشى إطالة أمد الحرب لان غالبية تعداد جيشها من الإحتياط الذين يعملون فى أعمال مدنية قد تعطل الحياة فى البلاد و تكلفهم خسائر باهظة خاصة مع إغلاق الموانىء والمطارات و المجال الجوى المهدد على مدار الساعة، فضلا عن أن قوات الإحتياط هى الأقل كفاءة و جاهزية خاصة فى الأزمات والصراعات الطارئة رغم الحرص على برامج التدريب المتقدمة فى فترات متقاربة… إضافة إلى عدم التجانس و المشكلات الإجتماعية و العنصرية الضاربة فى أعماق المجتمع الإسرائيلى ومكوناته منذ لحظة زرع الكيان والهجرات من ثقافات ودول مختلفة فضلا عن العرب من فلسطينى 48 ولم تفلح الممارسات الديموقراطية والتمثيل النيابى و السقف المرتفع للحريات و النقد و الشفافية والمحاسبة فى تذويب الفوارق و القضاء على العنصرية والفساد داخل المجتمع و قياداته…بالأمس زادت وتيرة الأحداث وقصفت المستشفيات مع توجيه الضربات فى محيط معبر رفح البرى مع مصر للمرة الرابعة أو الخامسة (بطلت أعد) وذلك بعد حضور وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن اجتماع المجلس الأمنى الإسرائيلى المصغر فى ختام جولته المكوكية إلى دول الجوار الإقليمى مما يعنى مباركة أو عدم ممناعة أو تفهم امريكى للتصعيد الإسرائيلى و السير فى مخطط التهجير و تحويل قطاع غزة إلى مكان لا يصلح للعيش فيه و توجيه سكانه للإنفجار صوب الحدود المصرية؛ و قد كتبت على صفحتى بعد قصف المستشفى أن الأمر الان لم يعد فقط تضامن إنسانى مع سكان القطاع و لكنه أصبح أمن مصر وأرضها وحدودها؛ و أن دخول المساعدات تحت أى ظرف ضرورى؛ وكتبت وأقترحت الآتى: “حالة الخوف والعيش فى الملاجىء وإستدعاء كل الاحتياطى فى المجتمع الاسرائيلى والرعب من فتح اكثر من جيهة ورقة ضغط يجب إستغلالها من خلال توجيه إنذرات محددة المدة (ساعات) لإدخال المساعدات الإنسانية لإفساد مخطط التهجير ووقف آلة الابادة الجماعية وقصف المستشفيات وفقا لحق التدخل الإنسانى الذى يكفله القانون الدولى لحماية الجنس البشرى والقواعد الإنسانية؛ وإعلان ان دم اى سائق شاحنة تحمل مساعدات تدخل عنوة يقابلها 1000 راس إسرائيلى، ومن يريد ان يفتح ممرات إنسانية للنزوح الجماعى امامه طريقين الاول: للداخل ناحية بئر سبع والنقب والخليل والرملة والضفة وحيفا ويافا والقدس ونابلس وطولكرم وجنين والناصرة وطبرية والصفد وعكا وبيسان، والثانى: فتح ميناء غزة امام من يرغب فى النزوح لركوب البحر فى مراكب تتجه للشواطىء الاوروبية فى حماية اممية… لا ارى حلولا اخرى لمنع حالة الانفجار والتدافع المختملة على الحدود المصرية وإفساد مخطط التوطين الذى يروج له على نطاق واسع”…وبالمناسبة بقى؛ بدأت ألمح بوستات لا تمانع فى إستقبال عدد من الفلسطينيين فى شمال سيناء مقابل إسقاط ديون مصر وهو أمر غريب علينا من قبل هؤلاء لانهم غير مخولين بالتضحية بدماء الشهداء المصريين الذين ماتوا فى سبيل تحرير سيناء والحفاظ على قدسية حدودها؛ وليس معنى أننا نواجه أزمة إقتصادية أن نتخلى عن سيادتنا ونساهم فى تصفية القضية الفلسطينية التى ضحينا أيضا من أجلها بالاف الشهداء؛ ولان المعنى الحقيقى للنخوة لا يجعلنى أفرط فى بيتى و فى عرض أهل بيتى لمحتل أو غريب أو عابر سبيل لاننى أعانى من أزمة مالية (ديوث اوطان بعيد عنك)…الأمر الثانى الذى يجب توضيحه هو الموقف من حماس وأخواتها من الفصائل التى تنتمى لتيار الإسلام السياسى فكريا؛ وضحت مرار أن هناك مستويين للتعامل مع تلك الفصائل؛ الأول: أنها تسيطر على القطاع و الأرض التى تقع على حدودى ومن مصلحة مصر أن تكون على علاقة جيدة بها وتنسق معها وأن لا تكون بيننا حالة عداء مع شروط وقواعد تمنع التدخل فى الشأن الداخلى المصرى أو التستر على أى أعمال عدائية تنطلق من القطاع؛ مع الأخذ فى الاعتبار دروس الماضى القريب والجرائم التى أرتكبت بواسطة حماس فى حق مصر وشعبها عام 2011 والسنوات التى تلته؛ والتشبيه مع الفارق هو أننا لم نقطع علاقتنا بالمملكة المغربية الشقيقة وقت أن كانت تحكمها حكومة أخوانية جاءت إلى الحكم بإنتخابات لان المصلحة العليا هى ما تحكم علاقات الشعوب و توجب علينا إحترام إختياراتها وعدم التدخل فى شئونها… المستوى الثانى: وهو داخلى أننا قانونا قد حظرنا جماعة الأخوان المسلمين وكل ما ينتمى لها ولأعلن انها جماعة إرهابية ونرفض أن يمارس اى نشاط تحت رايتها داخل الحدود المصرية وهو ما يحتم علينا رفض توطين أى من تلك الجماعات و التيارات و من ينتمى لها و يؤيدها على أى بقعة من أرض مصر لخطورته على الأمن القومى المصرى وأشبه بتربية الأفاعى داخل بيوتنا…واضحة وصريحة…جلال نصار…القاهرة: 18 أكتوبر 2023م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات