بقلم ✍️ د.محمد يحيى (كاتب ومدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات)

حكي المؤرخون ان ليوناردو دا فينشي الفنان الايطالي الشهير قضى ثلاث سنوات حتى ينتهي من رسم لوحة العشاء الاخير الشهيرة، كما تمتلأ الروايات التاريخية بذكر السنوات التى قضاها الفنانون لتشكل اناملهم اللوحات فنية في العصور السابقة. و عندما يسمع المرء عن هذه الشهور و السنوات و ينظر إلى طوفان الصور التي يتم إنتاجها كل يوم في عصرنا الحالى فإنه يدرك حجم الطفرة التى احدثها التقدم التكنولوجي في أسلوب ووسائط التواصل.
ان هذه الطفرة مدهشة حقا و تكاد تذهل كل من يطلع على ابعادها الكاملة، فوفقا لبعض الاحصائيات فإن حجم الصور التي يشاركها المستخدمون على احد منصات التواصل الاجتماعي فقط قد بلغ ٣٥٠ مليون صورة في اليوم الواحد ، هذا فضلا عن منصات التواصل الاجتماعي الاخرى. هذا الرقم البالغ الكبر يوضح لنا الحيز الهائل الذي تشغله الصورة في اساليب التواصل فى العصر الحالي إلى الحد الذي أصبح البعض يطلقون عليه عصر الصورة بالفعل.
هذه الطفرة قد ارتبطت أيضا بظهور الهاتف المحمول الذكي و وصوله إلى كل يد تقريبا.
فأصبح التقاط الصور عادة مألوفة و أصبح السيلفي جزءا لا يتجزأ من اللقاءات الأسرية وتجمعات الاصدقاء والمعارف حيث تحكي بعض الاحصائيات ان صور السيلفي على أحد المنصات للتواصل الاجتماعي قد بلغ ٢٨٢ مليون صورة سيلفي في العام الواحد. و يظهر حجم الظاهرة ايضا عندما يقارن المرء بين عدد المشاهدات للفيديوهات و عدد التفاعلات على الصور في المنصات الرقمية المختلفة و بين عدد النسخ المباعة من الكتب و المجلات أو عدد الكتب الرقمية التي يتم تحميلها وقراءتها فهنا يتضح الفرق الهائل بين رواد عالم الصورة والڤيديو وبين هواة النص المكتوب.

ان هذه الظاهرة قد تبلورت منذ فترة ليست بالقصيرة و تزداد أهميتها مع الوقت و مع الاجيال الجديدة.
و لا شك أن لكل ظاهرة مزاياها و عيوبها و أن ظاهرة بهذا الحجم و هذا التأثير العميق لهي تحتاج من الدراسات و من الاهتمام القدر الكبير الذي يناسبها، و ان اسئلة عن ابعاد هذه الظاهرة و مزاياها و عيوبها بصورة مفصلة لهي في امس الحاجة للإجابة بالإضافة الى استفسارات من قبيل هل طغت الصورة على النص المكتوب بصورة سلبية ام لا؟ وهل يحتاج الأمر الى المزيد من تشجيع النشء على تعود القراءة المفصلة و على اعتياد النص المكتوب؟ و غيرها من الأسئلة المهمة الأخرى.
كما أن انعكاسات هذه الظاهرة على الشأن الاعلامي وكيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد لهو مما يحتاج الكثير من الدراسة والاهتمام ايضا.
بالإضافة إلى ذلك ، فإن هناك قدرا من الوعي مطلوب من الجميع فيما يتعلق بمصداقية الكم الهائل من الصور التي يتم تداولها يوميا، حيث أن تقدم اساليب الفبركة والتزييف المتقن للصور جعل من الضروري التحلي بقدر من الوعي اثناء التعامل مع هذا الطوفان من الصور.
وبعيدا عن التفصيلات و التشعبات، فإن الصورة قد تربعت على عرش التواصل الرقمي وفرضت نفسها في عصرنا هذا وأصبح هذا العصر هو عصر الصورة بلا منازع!.

نشر بجريدة المساء

Tweet