مع مطلع شهر رمضان المبارك لهذا العام بدأت قناة الجزيرة الوثائقية بث أحدث سلاسلها الفيلمية بعنوان (الرحّالة)، وهي السلسلة التي تعرض لسير وكتب أبرز الرحالة في الحضارة الإسلامية، مثل ابن بطوطة، وابن فضلان، والشريف الإدريسي، وابن جبير، وغيرهم.

وتروي السلسلة سير أبرز الرحالة العرب والمسلمين الذين اكتشفوا أماكن برية وبحرية مهمة في كوكب الأرض. لنكتشف في كل حلقة من حلقات السلسلة الخلفية الجغرافية والاجتماعية للرحالة ونعيد السفر من خلال مغامراتهم عبر الزمان والمكان لنتعرف على أهمية المناطق والعوالم التي مروا بها وأهم ما كتبوا عنها لتوثيق هذه المعلومات للأجيال القادمة، وهؤلاء الرحالة هم خليط ما بين علماء الأنثروبولوجيا والجغرافيين، كما نُعرفهم اليوم.

ودشنت السلسلة مجموعتها – التي تجمع بين الحوارات مع متخصصين ومواقف تمثيلية وفنون الجرافيك والتحريك – بجزأين خصصتهما لرسالة أحمد بن فضلان.

واستضاف الفيلم كلا من د. تونيكا ماي أوفام، الباحثة في التاريخ والدراسات الكلاسيكية، جامعة آرهوس، الدانمرك، ود. كورت فيليدز جونس،أستاذ التاريخ للعصور الوسطى، جامعة ستوكهولم، السويد، ود. عبد الرحمن سالم، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، جامعة القاهرة، ود. خولة شخاترة، أستاذ الأدب والنقد، جامعة جدارا، الأردن، والناقد والمؤرخ الأدبي المصري أحمد كريم بلال، فضلا عن الصحافي والروائي والشاعر والرحالة أشرف أبو اليزيد، رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين.

وكشف أشرف أبو اليزيد عن سر الخريطة النادرة التي اكتشفها لدى زيارته متحف ابن فضلان بمدينة بلغار على الضفة اليسرى لنهر الڤولجا. المدينة اليوم هي المركز الاداري لمنطقة سباسك وأصغر مدنها. تبعد المدينة عن العاصمة قازان مسافة 140 كيلومتر، ومساحتها تعادل 116 كيلومترا مربعا وتعداد سكانها أكثر من 9 آلاف نسمة. تقع على مرأى البصر أنقاض مدينة بلغار التاريخية القديمة عاصمة دولة بلغار الڤولجا. أما مدينة بلغار الحالية فتأسست عام 1781 وكانت تسمى انذاك بلدة “سباسك ” ومنذ عام 1935 وحتى عام 1991 كان يطلق عليها اسم كويبيشيف. اليوم ومع استعادة الهوية الإسلامية أصبحت بلغار مثل العاصمة التاريخية التي أنشئت في القرن الـعاشر حيث جاء ذكرها في المدونات التاريخية التي كتبها البلحي الرحالة والجغرافي العربي  عام 920م، وفي عام 922 ميلادية وصلتها من بغداد قافلة ابن فضلان.

 في الخريطة،  كانت مدن الخلافة الإسلامية في بغداد وحولها تسمى عربستان، وفيها يبدو اتجاه القافلة إلى الشرق في بخارى (أوزبكستان حاليا) قبل أن تعاود رحلتها إلى الشمال الغربي. ونشرت الخريطة صحبة لرحلة قام بها أشرف أبو اليزيد إلى بلغار الفولجا، حيث استقبلت التتاريات ضيوف بلادهن بأزياء من ألوان السماء في بلغار على نهر الڤولجا، وهن يؤدين لوحات حركية تقليدية، كما قدمت الفتيات بحلوى الشكشك والخبز الساخن. لا شك أن ملك الصقالبة قد أولم لأحمد بن فضلان حين خرج الملوك الأربعة الذين يحكمهم ، مع إخوته وأولاده لاستقبال الوفد بالطعام عند بلغار الڤولجا.

المتحف مقام على شكل قبة مستقلة البناء، وهذا الشكل مستوحى من عمارة قديمة موثقة الشكل، ومستلهمة في أعمال فنية تشكيلية وليثوغراف. إنه إعادة إحياء لأول عمارة بقيت آثارها شاهدة. ويبدو أن القباب (الوبرية أو الخشبية وتلك الحجرية) كانت معروفة، يقول ابن فضلان في رحلته: فلما رآنا نزل فخرّ ساجدًا شكرًا لله، جلّ وعزّ، وكان في كمّه دراهم فنثرها علينا، ونصب لنا قبابًا فنزلناها.

لوحة تجسد لقاء أحمد بن فضلان بملوك الصقالبة، بلغار الفولجا، تتارستان

كتب الرحلة للفيلم مدحت كساب، وأخرجها هاني فريد، ونفذ الرسوم المتحركة الفنان أحمد نوه، وشاركه في أعمال الجرافيك عامر محمود، وكان التعليق الصوتي لوضحاح المريسي، أم مدير تصوير مشاهد الدراما فكان الفنان بيشوي عاطف.