مصر في التلاجة

08:12 صباحًا الخميس 10 يناير 2013
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

(1)
مصر 1970
اهتز جسد السادات بشدة وهو ينتحب، واقفاً مع عدد من الضباط الأحرار ومعهم محمد حسنين هيكل أمام جثمان جمال عبد الناصر.
صحيح لم يشاهد أحد دموعه ، لكن يمكن أن تتوقعها وهو يقول : إهئ إهئ.. هتوحشنا أوي يا جمال.
ثم مسح دمعة لم يرَها أحد وهو يلتفت لهيكل الذي قال له: مش وقت دموع..مصر محتاجانا دلوقت. خرجوا جميعاً من الغرفة ولم يلتفتوا لرجل المخابرات الذي همس لرئيسه: كله تمام يا فندم. ألقى الرجل نظرة أخيرة على جمال عبد الناصر وهو يقول: خلي بالك من نفسك يا ريس!!!

(2)
مصر 2013
أحد الشوارع
كان من الصعب أن يخترق رجل المخابرات زفة التكاتك التي راجت تتمايل على أنغام أوكا وأورتيجا:”علشان البط..تراا رام ترااا رام..يموت الوز”!!، وكان من الممكن أن يتم تثبيته في أي لحظة لولا العناية الإلهية التي أوصلته أخيراً لسرداب بان للوهلة الأولى أنه تابع لإدارة مجاري العاصمة، إلا أنه داس على نقطة بعينها في الحائط ليتحرك ويبدو خلفه مصعد، وهو يهمس لنفسه: يا سلام.. ده ولا فيلم مافيا، وحين وصل للمكان الذي يريده أخرج حقنة، وفتح تابوتاً غريب الشكل يتمدد داخله جسد ضخم، قبل أن يحقنه بعقار غريب تلون معه لون الجسد من جديد وراح صاحبه يتمتم: آاااه..مصر.. الوحدة العربية..أنور يا ابن اللذينه!!!..آاااه..انت فين يا حكيم، وحين فتح عينيه وجد أمامه رجل المخابرات وهو يؤدي له التحية قائلاً: حمد الله ع السلامة يا ريس. حمد الله ع السلامة يا جمال!!!!

(3)
بصعوبة قفز جمال عبد الناصر على الطوب الذي وضعه البعض بسبب انفجار ماسورة المجاري، وخلفه رجل المخابرات الذي كان يلهث وهو يقول: ماكانش فيه قدامنا حل غير كده يا جمال. إحنا جمدناك عشان احتاجناك للحظة تاريخية زي دي.. البلد باظت يا جمال
قذف أحد العيال بطوبة وسط مياه المجاري فطرطشت على ملابسهم وصرخ عبد الناصر: ياض يا ابن ال…اعتقلوا ابن ال…….
أكمل الرجل: عملوا ثورة على حسني بتاع كلية الطيران اللي انت عينته قبل ما تتجمد، وشالوه، والقذافي اتقتل في ليبيا والأمريكان ظبطوا أمورهم في مصر و………
قاطعه عبد الناصر: وام كلثوم…طمني على ام كلثوم
قال له الرجل: دلوقت فيه سما المصري يافندم. ابتسم عبد الناصر وهو يقول: واضح انها بنت معتزة بوطنيتها جداً.. والله وعرفت تربي الشعب يا جمال. ثم التفت للرجل وهو يقول: ومين دلوقت ماشي على نهجي، ومين معارض، ومين بيحكم أصلاً
تنحنح الرجل وهو يقول بتحفز: حمدين صباحي يا فندم. نظر له جمال بدهشه: حمدين.. فكتوني باتنبن حمدي، وكمان صباحي.. إيه الأسماء الغريبة دي ..ده احنا كان أغرب اسم عندنا السباعي.
همس الرجل لنفسه :أمال لو قلتله البرادعي. نظر له جمال: بتقول حاجة؟، فرد: لا يا ريس ولا حاجة.
– يعني ضحكوا عليا في الآخر بفيلمين عني ومحطة مترو ونسيوا الراجل اللي علمهم الكرامة. بس انت ما قلتليش ..مين بقى بيحكم البلد دلوقت
– أنا بقول حضرتك تريحلك يومين الأول عشان تستريح
كرر جمال: مين بيحكم مصر دلوقت؟؟ مين زعيم الوطن العربي؟؟..مين اللي شايل على كتافه حضارة 7000 سنة.
همس الرجل وصوته متحشرجاً: ال….وان
نظر له جمال بدهشة: النسوان ازاي يعني
قال الرجل : الإخوااااااان
توقف جمال عبد الناصر ثم صفعه على وجهه وهو يقول: الإخوان؟؟ نهار أبوكو إسود.أنا رجعتلكم يا بقر.

(4)
قصر الرئاسة
دخل السفير رفاعة الطهطاوي مكتب الرئيس مرسي الذي فرغ من صلاته للتو، وقال له في احترام: تقبل الله يا ريس. رد مرسي: منا ومنكم يا رفاعة..ما صلتش الضهر ليه؟؟.قال السفير: صليته يا فندم.قال مرسي: إوعى تكون ماصليتهوش يا رفاعة ما تخليش ربنا يغضب علينا. رد السفير: يا فنم صليته مع ياسر علي و احمد عبد العاطي. غضب الرئيس: طب ماقلتوليش ليه يا أخي كنا صليناه جماعة بدل ما انا صليت لوحدي كده. همس الطهطاوي: ما هو سيادتك صليته جماعة من شوية يا فندم في المسجد و…قاطعه مرسي: وماله يا أخي.. نصلي تاني وتالت..، واحنا ضمنا الأولانية اتقبلت أصلاً والا لأ.. يالا روحوا حضروا السجادة نصليها سوا المرة دي
قال الطهطاوي أيوة بس فيه تقرير خطير لازم حضرتك تشوفه و……………..
قاطعه مرسي ثانية: لا خير في عمل يلهي عن الصلاة يا طهطاوي..يالا روح هاتلي ياسر وعبد العاطي وشوف الحراسة صلوا والا لأ..، وشوف تقرير المخابرات عن الراجل صاحب الكشك اللي قدامنا لحسان يكون بيصلي كده وكده و…………..
قاطعه الطهطاوي هذه المرة وهو يقول: يا فندم الوضع خطير.. التقرير ده لازم تبص عليه
نظر مرسي للتقرير الذي حمل عبارة سري للغاية وانتصف صفحته عنوان : عمليات التجميد الرئاسية، ثم قال للطهطاوي في دهشة: تجميد إيه يا طهطاوي.. مالي انا ومال المطبخ..ما تجمدوا والا تجففوا والا حتى تخللوا.. مال الريس ومال التجميد..
تبدلت لهجة الطهطاوي إلى التوسل هذه المرة وهو يقول: أبوس إيد سعادتك اقراه الأول.
شعر مرسي لأول مرة بالقلق، فنظر على التقرير، وتصفحه سريعاً ووجهه يمتقع بشدة، قبل أن يقول: يا نهار مدوحس..
يعني عبد الناصر متجمد وعايش، ومش بعيد السادات راخر هو محمد نجيب يكونوا متجمدين وعايشين، واحنا ما صدقنا خلصنا من مبارك..دي مصيبة يا طهطاوي.. عارف دول لو صحيوا أول حاجة هيعملوها إيه
– إيه يا ريس
– هيطالبوا بمحطات المترو بتاعتهم طبعاً وتبقى سنة سوخة.
– أيوة بس……..
– وتبقى مصيبة ليظهر أحمد عرابي وسعد زغلول ويطلعوا متجمدين راخرين ويطالبوا بمحطاتهم، وكده يبقى .. يبقى.. يبقى……..
– يبقى إيه يا ريس
– كده يبقى خط حلوان المرج اتضرب يا طهطاوي..أجيب منين انا
كان ينوي أن يكمل كلامه لولا أن تحرك الحائط وراءه فجأة ويفتح باباً سرياً فيه، ليدلف منه جمال عبد الناصر الذي وجده مرسي أمامه بجأة فرفع يده وهو يقول: تحيا جمهورية مصر العربية
جرى الطهطاوي مسرعاً للخارج، وهو يهتف: تحيا الجمهورية العربية المتحدة..يا ياسر..تحيا الجمهورية العربية المتحدة.. يا عبد العااااطي
وضع عبد الناصر يده على كتف مرسي المرتجف قائلاً: ازيك يا مرسي.. بلغني انك قلت : وما أدراك ما الستينات.. انت كان عندك كام سنة وقتها يا ابني
فرغ مرسي من قراءة كل ما يحفظه من قرآن وهو يقول: 15 سنة يا ريس
ابتسم عبد الناصر: كنت لسة ما طلعتش بطاقة يعني.. خلاص.. هفوتهالك المرة دي، ثم نظر في عينيه مباشرة وهو يقول: عملت إيه في البلد يا مرسي
تراجع مرسي للخلف وهو يقول: عملت خير.. كل خير يا ريس.. ده انا كنت مستلمها خرابة، وكانت مراجيح كلها بس ربنا ستر
– بأمارة ان مصر قربت تشحت يا مرسي والا الإسلاميين اللي ماسكين البلد وبيخربوها والا الجماعة اللي بتعملوا خطة تمكينها
– يا ريس انت هتقول كلام المعارضة انت كمان..
– ولا معارضة ولا أهلي وعشيرتي ولا حارة مزنوقة.. انت بتحب بلدك والا لأ
– بحبها ؟؟ دي لو كانت ست كنت اتجوزتها على سنة الله ورسوله
– لا يا مرسي.. انت هتطلقها، وتخدمها، وتاخد دورك في الخدمة الوطنية وتتجمدلك كام سنة، ولو احتجناك هنصحيك كمان خمسين ستين سنة كده والا حاجة.. البلد دي محتاجاني دلوقت و…….
فجأة تحرك جدار آخر ودلف منه السادات ممسكاً بغليونه الشهير وهو يقول: آآآ.. لحظة يا اخواننا…آآآ.. أنا أولى بالبلد دلوقت يا جمال
قال عبد الناصر باستنكار: جمال؟؟؟
تراحع السادات: قصدي يا ريس ..أنا اللي حاربت اسرائيل ورجعت سيناء ولما زهقت من التنظيمات الإسلامية قلت اخدلي أجازة واتجمدلي كام سنة، واديني رجعت.
نقل مرسي بصره بينهما في فزع وهو يقول: يعني عايزين إيه دلوقت
قالا في صوت واحد: تسيب البلد
تمالك مرسي نفسه هذه المرة وهو يصرخ: بس انا رئيس منتخب.. أنا الشعب اختارني..انما انتو لأ..أنا جيت بانتخابات حرة ونزيهة انما انتو لأ.. انا ما سجنتش حد لغاية دلوقت ومدي الناس براحها تعبر عن نفسها وتشتمني شخصياً انما انتو لأ..انا عندي جماعة وعشيرة انما انتو لأ.
قاطعه السادات: كمل كمل..قول ان فيه ناس اتقتلت على باب قصرك انما احنا لأ.. قول ان كلمتك مش من دماغك انما احنا لأ..وانك لازم تراجع المرشد وخيرت انما احنا لأ..قول كمان يا ولد واخطب فينا بالمرة ما هو ده تمامك.
دب مرسي بقدمه على الأرض وهو يقول: أنا ماليش دعوة بالكلام ده.. انا دخلت هنا ومش هخرج الا لما الشعب يخرجني أو ………
قاطعه عبد الناصر هذه المرة وهو يقول: أو تتجمد .انت لازم تخش التلاجة يا مرسي.. عشان مصر ما تضيعش
صرخ مرسي: مصر مش هتضيع .. مصر مش هتضيع مصر مش هتضيع.. مصر مش هتضيع.
نظر له الجميع بدهشة.كانوا قد اعتادوا منه تكرار بعض الجمل لكن ليس لدرجة أربع مرات في الدقيقة، قال له ياسر علي: مش هتضيع ان شاء الله يا فندم
نظر له مرسي بدهشة، ونظر لجميع مستشاريه ومساعديه المحيطين به وهو يبسمل ويحوقل، فقال له رفاعة الطهطاوي: فضيلة المرشد كلمني النهاردة وقال لي ان سعادتك محتاج تترقي.. عايزين نرقيك يا فندم رقية شرعية.. الباشمهندس خيرت جاي عشان كده النهاردة ان شاء الله
صرخ مرسي فيهم جميعاً فجأة: أنا مش عايز حد يرقيني.. انا عايزكم تشتغلوا عشان ما نخليش حد يشمت فينا.. البلد دي مش هتضيع
التفت لرجل غامض يجلس بجواره وهو يقول: إيه آخر أخبار أبحاث التجميد.
قال له الرجل : بخير يا فندم.. شغالين عليها كويس
لمعت عين مرسي وهو يقول: شوفوا إيه إمكانية اننا نجمد 90 مليون مرة واحدة ونحطهم في التلاجة
رفع الرجل يده مؤدياً التحية: تمام يا فندم.. وهنسمي العملية دي مصر في التلاجة.
ابتسم مرسي مطمئناً
وقام ليصلي الظهر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات