بريء في جوانتانامو: خمس سنوات من الظلم والقهر الأمريكي لطالبان الألماني

08:25 صباحًا الأربعاء 30 يناير 2013
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مراد كورناز يقدم كتابه

“بعد أن قررت السلطات الألمانية والأمريكية أنني برئ من تهمة الإرهاب واني كنت مجرد طالبا للدراسات القرآنية في باكستان عندما ألقى بعض صيادي المكافآت القبض علي في حافلة عامة وباعوني مقابل 3000 دولار للقوات الأمريكية عام 2001 , إلا أنهم إستمروا في سجني وتعذيبي أربع سنوات تالية بعد أن أمضيت قرابة العام في سجون القوات الأمريكية في  باكستان وقندهار قبل أن يتم ترحيلي إلى معتقل جوانتانامو الرهيب ….”

هكذا تحدث المواطن التركي مراد كورناز عن تجربته القاسية في السجون الأمريكية في كتاب يحمل عنوان ( خمس سنوات من حياتي: بريء في جوانتانامو) والذي يحكي فيه عن كيفية إلقاء القبض عليه وكان عمره وقتئذ 19 عاما ليقضي 1725 يوما في المعتقلات الأمريكية .

مراد كورناز هو إبن لمهاجرين تركيين سافرا إلى ألمانيا بحثا عن العمل , وكانت معاهدة للهجرة قد تم توقيعها عام 1961 بين ألمانيا الإتحادية وتركيا شكلت بداية الهجرة التركية لألمانيا ويعيش في ألمانيا اليوم نحو 3 ملايين مواطن تركي حصل حوالي 700,000 الف منهم على الجنسية الألمانية مقابل تخليهم عن جنسيتهم الأصلية التركية وفقا للقانون الألماني الذي يضع هذا الشرط مقابل الحصول على الجنسية الألمانية .

مشهد من الفيلم

لفتت هذه القصة المأساوية لمراد كورناز نظر المخرج الألماني (ستيفان شالر)  وقدم الفيلم الألماني (خمس سنوات من حياتي) والمأخوذ عن تجربة كورناز الواقعية في المعتقلات الأمريكية وتم عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان (ماكس أوفلوس السينمائي) في مدينة سابروكين الألمانية  هذا الأسبوع , وقد حضر عرض الفيلم في ساربروكين مراد كورناز  البطل الحقيقي للأحداث والمخرج شالر ومعهم أبطال الفيلم / ساشا ألكسندر جيراك , بن مايلز .. , مدة عرض الفيلم 95 دقيقة توثق لهذه التجربة القاسية التي يمكن أن يمر بها إنسان لمجرد أنه ينتمي لمنطقة الشرق الأوسط  أو أنه يدين بالإسلام وقد تصاعدت وتيرة هذا الذعر الغربي من العرب والمسلمين في أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 , فكل من يحمل جواز سفره أختام  بلدان تضعها أمريكا على قائمة الدول المصدرة للإرهاب  لاسيما أفغانستان وإيران وباكستان يكون موضع إشتباه , إذ ألقت فصائل باكستانية القبض علي كورناز وتسليمه للقوات الأمريكية وتم ترحيله من قندهار إلى جوانتانامو  دون دليل واحد يثبت تورطه ودون سند أو محاكمة عادلة ..

مظاهرات أمام البيت الأبيض لإغلاق جوانتانامو، وإنهاء جرائمه، بلا فائدة

وينتقد الفيلم في مشاهده الأخيرة موقف الحكومة الألمانية السلبي تجاه كورناز والذي كان مقيما على أرضها وقت القبض عليه وحتى يومنا هذا , ولم تبذل جهودا كافية لتأمين الإفراج عنه حيث ثبت بعد خمس سنوات من السجن والتعذيب والمهانة أنه برئ وأن الإتهامات التي أسندت إليه لا أساس لها , حتى أن وسائل الإعلام الأوروبية عامة والألمانية خاصة قام بتشويه سمعته وأطلقوا عليه لقب: طالبان الألماني !!!

وعندما تم عرض الفيلم في مهرجان ماكس اوفلوس وفي المشهد الأخير للفيلم كان حفل زفاف مراد كورناز وهو مشهد يجعل من نهاية الفيلم نهاية سعيدة إلا أن الصمت المطبق كان هو رد فعل الحضور بعد أن قدم لهم مخرج الفيلم شحنة من المشاعر الإنسانية المكبوتة وكيف يمكن أن يتحمل الإنسان هذا القدر من التعذيب والإهانة دون ان يرتكب ذنبا وأن تمتهن آدميته بصورة مرعبة وهنا نرجع مجددا لكتاب كورناز الذي إستند إليه المخرج شالر في أحداث الفيلم إذ يتذكر كورناز فترة سجنه الأولى في باكستان وقندهار في أفغانستان ” إذ أن عملية الضرب والتعذيب بدات منذ ان ركبنا الطائرة التي أقلتنا من باكستان , كنا معصوبي الأعين وكان الجنود الأمريكيون يضربوننا بقبضات أيديهم وهرواتهم واعقاب بنادقهم بينما كانت أيدينا مصفدة بأرضية الطائرة وكان الجو باردا مثل الثلاجة”.

هكذا يعامل من يظن بانتمائهم للقاعدة، وطالبان، في الصورة التي سمحت وزارة الدفاع الأمريكية بنشرها

لقد أحصيت سبعة حراس في سجن أمريكي بأفغانستان قبل أن ننتقل إلى جوانتانامو  كانوا يضربون سجينا بأعقاب بنادقهم ويركلونه بأحذيتهم حتى مات,لقد عذب الحراس رجلا أعمى كان عمره قد تجاوز التسعين حتى فارق الحياة ..”

وعلى الرغم من الوعود البراقة التي أمطرنا بها باراك أوباما في حملته الإنتخابية الأولى وحتى عندما تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حول عزمه إغلاق معتقل جوانتانامو  قبل يناير 2010/كانون ثاني إلا أن الكونجرس الأمريكي قد أصدر قانونا بتاريخ نهايةديسمبر / كانون أول 2009 يمنع تحقيق هذا الهدف وينص على منع إستخدام المال العام في نقل المعتقلين إلى الولايات المتحدة أو مدينة أخرى ويفرض إحالة المتهمين بالإرهاب إلى المحاكم العسكرية , هذا المعتقل الواقع في خليج جوانتانامو  شرق كوبا والذي تم بناؤه على قاعدة بحرية أمريكية تمتد على أرض تبلغ مساحتها 116 كم مربع إستأجرتها الولايات المتحدة من كوبا بموجب إتفاقية تمت بين البلدين عام 1903.

غلاف الكتاب

أرجع المسئولون  في الإدارة الأمريكية تعذيب السجناء في جوانتانامو  إلى حفنة صغيرة من الحراس الخارجين عن النظام , أو أنهم قد يلجأون أحيانا إلى إستخدام وسائل قاسية في تعذيب المعتقلين الذين يملكون معلومات مهمة لابد من أن يعترفوا بها , إلا أن مراد كورناز ينفي هذه المزاعم تماما مؤكدا أن عدد كبير من القادة العسكريين قد أمروا بذلك ويحكي كورناز ” كان في المعتقل رجال ضعفاء وكبار في السن بعض أقدامهم مسحوقة وآخرون سيقانهم مكسورة أو تحول لونها إلى اللون الأحمر أو الأزرق أو الأصفر بسبب الصديد , كان هناك مساجين يعانون من تورم رهيب في الوجوه التي تحولت إلى مايشبه فجوات المناجم !! ولم يقتصر الأمر على الحراس فحسب بل إمتد إلى الأطباء الذين كانوا متواطئين حيث كانوا يقومون بفحص المسجونين وتحديد المدة التي سيبقى فيها هؤلاء المعتقلين على قيد الحياة , وفريق آخر من الأطباء يشارك في عمليات التعذيب إذ قام أحد الأطباء ببتر جميع أطراف أحد المعتقلين الذي كان يعاني من تورم أحد أصابعه التي قضمها الصقيع الشديد , وطبيب آخر قام بخلع جميع اسنان أحد المعتقلين الذي كان يعاني من تورم بعض أسنانه فخلعها جميعا التالف والسليم بدون مخدر ..”

وعن تجربته الشخصية في المعتقل يتذكر كورناز ” في واحدة من المرات وضعت بالحبس الإنفرادي لمدة 10 أيام لتغذيتي بعض الطيور من فتات الخبز  عندما اقتربت الطيور من زنزانتي , كما كنت أتلقى الضرب المنتظم بالهراوات من قوات الرد السريع الذين كانوا يداهمون الزنزانات بهراواتهم , كما تلقيت العديد من الصدمات الكهربائية الموجعة , كانوا يسلطون الصعقة الكهربائية على قدمي ثم يقومون بتغطيس رأسي في دلو من البلاستيك مملؤ بالماء ثم يمسكني أحدهم من شعر رأسي ويسحب جنود آخرون ذراعي إلى الخلف , ثم يتم دفع رأسي مجددا داخل الماء ,ثم يسحبون رأسي للخارج ثم يسألونني : هل أحببت هذه الطريقة ؟ هل تريد المزيد ؟؟ , كنت أشعر بإنفجار داخل معدتي عندما يعيدون رأسي تحت الماء , وكانوا يسألونني : ماذا تعرف عن فلان ؟ أين فلان ؟ من أنت ؟ كنت أحاول أن أتكلم لكنني لم أستطع, إبتلعت بعض الماء , أصبح من الصعب على أن أتنفس ,إن الموت غرقا أمر رهيب ووسيلة بشعة للموت , في كل مرة كنت أشعر أن قلبي قد توقف , لم يتوقفوا , كنت سأقول لهم كل شئ يريدون سماعه “

هل يوجد آخرون مثل مراد كورناز؟

أعرب كورناز في مهرجان أوفلوس السينمائي وبعد ان أصبح عمره هذا العام 30 عاما عن سعادته بالطريقة التي تم تجسيد شخصيته بها في الفيلم وان مخرج الفيلم قدم كل الأحداث والمواقف التي مر بها وشعر أنها مهمة وفارقة في تجربته المريرة والإستثنائية كذلك .

إن معتقل جوانتانامو  يظل هو المكان الأكثر ظلما وقسوة في العالم وهو يترك إرثا ساما للولايات المتحدة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان التي طالما تشدقت بها في دول أخري بزعم انها تناهض حقوق الإنسان كالصين مثلا حتى أنها عارضت وبشدة تنظيمها للأوليمبياد 2009, ومتناسية دعمها الأعمى لدولة إستعمارية قامت أساسا على إغتصاب ونهب وإبادة الشعب الفلسطيني وهي دولة الإحتلال الإسرائيلي ولكن الكيل بمكيالين هو أحد أسس سياسة الإدارة الأمريكية ..

“لم أذرف دمعة واحدة طوال سنوات إعتقالي ” كان تعليق مراد كوناز على تجربته في السجون والمعتقلات الأمريكية التي يتسع نطاقها بمدى ظلم وقسوة القائمين على إدارتها وبإمتلاكها لقوة غاشمة فضلت ان تقهر بها الدول الفقيرة والنامية بدلا من ان تكون أداة لإقامة دولة العدل والقانون في العالم .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات