دفاع عن الهند: من رأى ليس كمن سمع

09:19 صباحًا الإثنين 4 فبراير 2013
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ويل ديورانت

1 اكتوبر 1930

دفاع عن الهند

” من رأى ليس كمن سمع “

” من رأى ليس كمن سمع” تلك عبارة تتردد على شاشة قناة أورينت ” . تلك القناة أتقدم لها بكل معاني الاحترام على جهدها المستمر في اظهار معاناة الشعب السوري.  مع الاحتفاظ بالأمل وبسالة الروح ،بأن الحق  العدالة والأمان هي ثمار هذا النضال النبيل المستمر .

ذاك الانسان النبيل الغائب الحاضر “ويل ديورانت ” الذي احتفظت روحه بخميرة الانصاف . فعندما رأى لم يستطع الا أن يكتب بإنصاف ، يحلل بحب ، ويناشد بقوة كل من سمع ورأى حصيلة الاستعمار البريطاني للهند أن يكتب . ” ان الكتاب الذين ليسوا بهواه فحسب ولا مجرد كسبه للأموال ، يتحملون التزاما أخلاقيا بأن لا يتركوا كلمة دون أن يوظفوها  الى أن يتم تقديم قضية الهند للعالم ” ( ويل ديورانت ) .

يكتب في مقدمته الرائعة :

كلمة للقارئ

ذهبت الى الهند لمساعدة نفسي على تصور شعب كنت قد عكفت على دراسة تاريخه الثقافي اعداد كتابي ” قصة الحضارة ” . ولم أتوقع أن يجتذبني الهنود ، أو أن أندفع للاهتمام بالحياة السياسية الهندية . وكل ما علقت عليه الآمال هو أن أضيف القليل الى المادة ا لمتوفرة لدي ، وأن أرى رأي العين أعمالا فنية معينة ، ثم أعود الى دراساتي التاريخية ، ناسيا هذا العالم المعاصر .

لكني رأيت في الهند من جليل الأمور ما جعلني أحس بأن الدراسة والكتابة هما أمران ليسا بذي شأن في حضرة شعب يشكل خمس الجنس البشري ، يعاني فقرا وقهرا أشد مرارة من أي نظير لهما في أي موضع آخر على وجه البسيطة . وروعني ما رأيته ولم يكن قد خطر على بالي قط أن أي حكومة يمكن أن تسمح لرعاياها بالتدني الى مثل هذا البؤس .

مضيت عاقدا العزم على أن أدرس الهند في هذه الأيام ، وتلك الأيام ذات الماضي المتألق ، وأتعلم المزيد عن هذه ( الثورة ) الفريدة التي حاربت بمعاناة جرى تقبلها لكنها لم ترد قط الى نحر المتسبب فيها ، وأن أقرأ غاندي اليوم وكذلك بوذا المنتمي الى الماضي السحيق . وكلما  أوغلت في القراءة ، امتلأت نفسي دهشا وحنقا ازاء الاستنزاف الذي يبدو- بجلاء – متعمدا ، والذي تتعرض له الهند على يد انجلترا ، على  امتداد مئة وخمسين عاما .وبدأ يساورني الشعور بأنني قد وجدت نفسي في مواجهة أكبر جريمة في التاريخ بأسره ، ولذا فإنني أطلب من القارئ أن يأذن لي أن أنحي الى حين ،أبحاثي الموغلة في الماضي ،لكي يتاح لي الوقوف وقول كلمتي من أجل الهند . واني لأعرف كم هي ضعيفة الكلمات في مواجهة المدافع والدم ، وكم تبدو الحقيقة و الانصاف – وحدهما – عديمي الصلة بالموضوع مقارنة بقوة الامبراطوريات والذهب . ولكن لئن سمعني مواطن هندي واحد ، يقاتل من أجل الحرية بعيدا هناك عند الجانب الآخر من الكرة الأرضية ، وأصغى الى ندائي هذا ، فمنحه قسطا ضئيلا من العون والعزاء ، فان هذه الشهور من العمل التي أمضيتها عاكفا على هذا الكتيب ستبدو شيئا طيبا لي ، ذلك أنني لا اعرف شيئا في الدنيا أود القيام به اليوم أكثر من أن أكون مصدر عون للهند .

ملاحظة : تم تأليف هذا الكتاب دون معرفة أي هندي ، أو شخص يمثل الهند ، أو تعاونه ، بأي شكل من الأشكال .

                                                 ويل ديورانت

                                                1 أكتوبر 1930

 حضارة الهند

تاج محل

وفي معرض تحليله لهذه الحضارة يكتب  :

من الجلي أن هذه الحضارة لم تكن حضارة متواضعة شاد صرحها شعب متدن ، وانما هي تنتمي الى المرتبة التي تنتمي اليها أرفع الحضارات شأنا في التاريخ . ويذهب بعضهم – شأن كيسرلينج–الىوضعها في قمة الحضارات كافة . عندما حاصر البريطانيون في غمار غزوهم الهند عام 1803 قلعة أجرا وأصابت مدفعيتهم بقعة قريبة من “: خاص محل ” أو ” قاعة الاستقبال الخاصة “بادر الهنود الى الاستسلام في الحال ، خشية تدمير احدى أكثر الروائع التي أنجزتها يد الانسان كمالا، على نحو ما حدث في ريمز . فمن هم اذن المتحضرون ؟ .لقد كان الاستيلاء البريطاني على الهند  غزوا لحضارة رفيعة  وتدميرا لها على يد شركة تجارية مجردة تماما من كل قيمة أو مبدأ .، لا تكترث للفن ، وكل ما يعنيها  اشباع جشعها وتطلعها للكسب ، اجتاحت بالسيف والنار بلدا ساده الاضطراب والعجز على نحو مؤقت، ومضت ترشو وتقتل غيلة وتضم عنوة وتسلب، بادئة مسيرة النهب غير المشروع والقانوني الذي تواصل حتى الآن بلا هوادة على امتداد مئة وثلاثة وسبعين عاما ، وهو يستمر الآن في هذه اللحظة ، بينما نعكف على الكتابة والقراءة في ظل ما ننعم به من راحة وأمان .

التسامح الديني

وقال  ( سير توماس مونرو ) ، الحاكم البريطاني لمدراس قبل قرن تقريبا : ” في ظل حكم جميع الحكام المسلمين سمح لسكان الهند الأصليين بشغل جميع مناصب الدولة العليا ،ه بينما في ظل الحكم البريطاني وحده حرموا من هذا الامتياز ، وتم ابقاؤهم حتى عندما يعينون في دائرة عامة في وضعية أعلى قليلا ممن يقومون بالأعمال اليدوية ” .وقال لورد لايتون ، نائب الملك على الهند في 1878 : ” بما أنني أكتب في أوراق يحظر الاطلاع عليها، فلست أتردد في القول ان كلا من حكومة انجلترا والهند تبدو لي – حتى اللحظة الراهنة – عاجزة عن الرد بصورة مرضية على الاتهام الموجه اليهما بأنهما اتخذت كل ما في وسعها لتحطم في القلب كلمات الوعود التي رددتها في الأذن ” .

 غاندي

صور قلمية

تصوروا الرجل الأكثر بعدا عن الوسامة والأنحف بنية والأكثر ضعفا في آسيا ، بمحيا وبشرة من برونز ورأس رمادي حليق، وعظام وجنات ناتئة ، وعينين صغيرتين متسامحتين ، وفم كبير يوشك أن يخلو من الأسنان ، وأذنين كبيرتين ، وأنف عظيم، وذراعين وساقين ناحلة ، يرتدي وزرة ، يقف أمام قاض انجليزي في الهند رهن المحاكمة، لأنه قد دعا الى حرية أبناء بلاده  . تصوروه من جديد يرتدي ملابس مماثلة ، في قصر نائب الملك في دلهي في مؤتمر على قدم المساواة  مع ارفع ممثل لإنجلترا ، أو تصوروه جالسا على سجادة صغيرة في غرفة تخلو من الأثاث في  ( ساتيا جراها شرام ) التابع له أو  ” مدرسة الساعين وراء الحقيقة ” في أحمد آباد ، وقد تقاطعت ساقاه ناتئتا العظام تحته على طريقة اليوجاني ، وباطن قدميه الى أعلى ، ويداه عاكفتان على المغزل ، وقد ارتسمت على محياه خطوط معاناة شعبه ، وذهنه ناشط بإجابات حاضرة لكل طارح للأسئلة عن الحرية . هذا الناسج العاري هو في آن الزعيم الروحي والسياسي ل 320 مليون هندي .

طاغور

” لقد توقف عند عتبات أكواخ الألوف من المعدمين ، بزي واحد منهم ، وحدثهم بلغتهم . هذه هي الحقيقة التي تسري الحياة في  عروقها أخيرا، وليس مجرد مقتطفات من الكتب فحسب ، ولهذا السبب فان ( المهاتما )  وهو الاسم الذي دعاه به شعب الهند ، هو اسمه الحقيقي . من سواه أحس بالهنود جميعا وكأنهم من لحمه ودمه؟…. عندما جاءت المحبة الى باب الهند ، كان ذلك الباب مفتوحا على مصراعيه … ومع النداء الذي أطلقه غاندي، تفتحت الهند على عظمة جديدة ،تماما كما حدث ذات مرة من قبل، في أزمنة خلت ، عندما نادى  بوذا بحقيقة الشعور الأخوي والتراحم بين كل الكائنات  الحية .

ربما سيمنى غاندي بالفشل ، مثلما يحتمل أن يفشل القديسون في هذا العالم المفرط في الداروينية .ولكن كيف يمكننا أن نتقبل الحياة مالم تلق ، بين الحين والآخر، في وجه نجاحنا بفشل كهذا ؟ ” .

أتوجه بنداء فيه بعض الالحاح لقراء هذا الكتاب . وكما كتب ديكارت : ” ان قراءة الكتب الجيدة هي أشبه بحوار  مع شرفاء العصور القديمة الذين وضعوا تلك الكتب ، بل هو حوار مدروس ، لأنهم لا يطلعوننا الا على خيرة أفكارهم . والثقافة هي أفضل وسيلة للحوار بين الشرق والغرب  كي يعرف أحدنا الآخر “

وأن يتجدد ايماننا بأن للحقيقة مدافعون ، يدافعون عنها ويظهرون ما خفي منها . وأعيد في النهاية كلمات هذا المؤرخ الرجل ويل ديورانت :

” وذلك أني لا اعرف شيئا في الدنيا أود القيام به اكثر من أن أكون مصدر عون للهند ، وانيأيضالا أعرف شيئا في هذه الدنيا أود القيام به أكثر من أن نظل مصدر اثراء وانارة أحدنا للآخر “

ويل ديورانت

                                                      1  أكتوبر 1930

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات