رواية العشب العائم من تأليف (هان سوسان) وهو أحد أهم كتاب الرواية في كوريا ومن أشهر مؤلفاته (أغنية الليل),(المنتقل),(شارع الطمع),(المسافة المشفوفة في الشبورة),نشرت رواية (العشب العائم) في المجلة الأدبية “الآداب في العالم “عام 1976.  وقام بترجمة العشب العائم من اللغة الكورية إلى اللغة العربية د.لي يونج تاي , ود.إبراهيم ضوة .

الروائي (هان سوسان) والرواية

يقدم لنا الروائي (هان سوسان ) في عذوبة تختلط بالمأساوية حياة فريق من العاملين في سيرك (إيل وول) وقد اختار لروايته اسما يعكس حال الفريق (العشب العائم) الذي تحمله مياة الأنهار حسب اتجاه الريح فلا مقدرة عنده على المقاومة ولا التشبث بالجذور , ولايعرف إلى أين ستنتهي رحلته ولامتي ؟

إن أعضاء السيرك في تنقلهم بين المدن المختلفة أشبه ما يكونون بالطيور المهاجرة ينتقلون من الشمال إلى الجنوب في فصل الشتاء-إذ لا يمكنهم الإستمرار في العروض عند سقوط الصقيع الأبيض لأن تدفئة الخيام أمر مستحيل – وفي فصل الربيع يتجهون إلى سيول عاصمة كوريا الجنوبية ..

يعود الساحر العجوز (يون جاي) مجددا إلى السيرك فهو لم يفلح في تكوين عائلة خاصة به ولكن أفراد السيرك جميعا يحترمونه وكان يعتبر البهلوان (هاميونج ) ابنه الذي لم يلده.

” إن للسيد يون جاي ملامح فنان ,أحب الفن ولاير يد أن يعمل من أجل المال فقط ,يعرف( هاميونج) أن( يون جاي) قد ترك السيرك عندما لم يعترف رئيس السيرك بمهارته وغادر دون تردد تاركا السيرك وبيده حقيبته الحقيرة ,ولكن عندما اعترف الرئيس بمهارته واحترمه، بقي دون شكوى حتى مع تأخر حصوله على أجره” .

ويعلق (يون جاي)على عودته مرة أخرى للسيرك بعد أن أصبح عجوزا :

“إن السمكة لا تستطيع أن تعيش خارج الماء, فالرجال الذين أقسموا ألا يكسبوا عيشهم بالعمل في السيرك ثانية رجعوا دائما قبل الغروب”.

كان البهلوان (هاميونج) ابنا غير شرعي، فلا ينبغي عليه أن يؤدي الخدمة العسكرية, ولما سأله (يون جاي) إذا كان قد تزوج , فأجابه (هاميونج) :

“هل هناك إمرأة سليمة العقل تقبل الزواج من رجل يتأرجح في السيرك؟”

نصحه يون جاي أنه إذا كان يريد أن يمتلك بيتا عليه ألا يتعلم الألعاب البهلوانية ,لأنه إذا كان للبهلوان بيت فلن يستطيع أداء عمله بشكل جيد..

  يقع (هاميونج ) في غرام لاعبة السيرك الآنسة (جي هاي) , إنه يشعر معها بدفء الربيع يصل إلى قلبه … كان شعورا جديدا عليه لم يعرفه من قبل.

تسترجع ( جي هاي) ذكريات طفولتها الأولي ,لقد كانت طفلة يتيمة بيعت إلى سيرك صيني وعمرها 8 أعوام ,ولكنها تتذكر كيف كانت تأخذها أمها إلى بيت جدها كل خريف وهي تلبس الملابس القطنية , صارت أمها أرملة وهي شابة فقدت مات والد (جي هاي) حالما ولدتها أمها التي لحقت به بعد ذلك بأعوام, ولكنها تتذكر رحلتها مع أمها جيدا,فربما كانت الزيارة وعمرها 5 أعوام , رغم ذلك كانت تتذكر جيدا الطريق الرملي الطويل .. كم ركضت إلى بيت جدها الذي كانت تنضج فيه الكاكا على الأشجار بالقدمين العاريتين للحفاظ على الأحذية الجديدة التي اشترتها لها أمها.

اتفق (هاميونج) و(جي هاي) على الزواج .

 كانت أم (سوك) تشارك (جي هاي) في غرفتها .. أم سوك كانت بهلوانة تقذف البراميل الخشبية بقدميها وترفع رجلا جالسا على المقعد, عاشت وحدها مع ابنها , لم يكن والد (سوك) بهلوانا, بل كان شابا حاصلا على الثانوية …

تحت الشلالات عاشا معا لستة أشهر, ولكن عائلة الرجل عارضت معارضة عنيفة : “ماذا؟ أهي من فريق السيرك؟؟ المومس أحسن منها” ..

ورغم أنهم عرفوا أنها حامل إلا أنهم رفضوا رؤيتها قائلين:

“من الممكن أن يكون الجنين من رجل آخر”.

كتاب حياة أعضاء السيرك: سطور من عذاب

لم يكن أمامها  إلا الرجوع إلى فريق السيرك وهي حامل في ستة أشهر, وقذفت البرميل الخشبي وهي في هذه الحالة , كان أبو (سوك) السيد (دونج إيل) يجيئ دائما لزيارتهم .. إنه يأتي دائما في فصل الأمطار يزورها مرة كل شتاء ومرة كل صيف كما لو كان جزءا من الطبيعة , إنها تنتظر مجيئ والد (سوك) طوال حياتها..

في ليلة ممطرة ساءت حالة (سوك) وأخذه هاميونج مع والدته للمستشفى. كانت (يون جاي) وحدها في الغرفة عندما تعرضت لعملية إغتصاب وحشية على يد أحد أفراد السيرك لكنها لم تره بسبب الظلام المخيم على المكان, وأصبحت ( جي هاي) أكثر شحوبا وفقدت الرغبة في الكلام والنوم منذ أن اغتصبها هذا المجهول في غياب أم (سوك) يوقظها الكابوس كل ليلة , كانت ترتعش عندما تتصور أن مغتصبها يراها ويراقب جسدها من مكان ما, كانت متأكدة أنه سيعود مجددا لأن الطريق أصبح ممهدا لذلك اشترت سكينا واخفتها في الصندوق الخشبي وكانت تنام كل ليلة والسكين تحت وسادتها..” لن أنام حتى أبقر بطنك حتى الموت “.

تتجنب (جي هاي) لقاء (هاميونج) وتخبره أنها لن تتزوج منه ولا من غيره,يحكي هاميونج للساحر العجوز وأبيه الروحي (يون جاي) عن رفضها الزواج منه بعد أن كانا قد اتفقا على الإرتباط دون إبداء أسباب , يراقب يون جاي مكان إقامة النساء في السيرك من بعيد وحينما اتجه ناحية الباب الخلفي القريب من غرفة (جي هاي) وجد شبحا منطلقا من الخيمة محركا طرفها ودار بينهما شجار وسقط كلاهما على الأرض , لكن الرجل كان أسرع من (يون جاي) إلا أنه عرفه من رائحة إبطه,إنه (كيو أوه) ووجد على يده اليمنى نقطة سوداء:إنها لطخة دم !!وتأكد أن هذه الدماء لم تكن تقطر من يده بل من يد( كيوه أوه) وتأكد أنه كان مطعونا.. ولكنه فضل ألا يثير المشاكل حتى يعرف كيف سيتصرف حيال هذا الأمر.

وفي أثناء تقديمها أحد العروض إنقطع الحبل وسقطت (جي هاي) على الأرض وحملها أعضاء الفريق إلى المستشفى. لقد كُسرت ذراعها اليمنى وأصيب فخذه, كما أن وجهها كان متورما لدرجة كبيرة.

كان (دوك بو) هو المسئول الأول عن الصبيان الذين يعتنون بصيانة وإصلاح كل المعدات التي تستخدم في العرض, ودار نقاش وجدال واسع بين أعضاء السيرك حول المخاطر التي يواجهونها أثناء تقديمهم للعروض وأنهم محرومون من التأمينات .. واتفق الفريق على تقديم التماس للشرطة حتى لا يتحمل (دوك بو) المسئولية وحده, هنا فجر (يون جاي) المفاجأة :

“إن انقطاع الحبل لم يكن مصادفة ولا نتيجة الإهمال , إنه بفعل فاعل”.

وحكى لفريق السيرك كيف أن (جي هاي) تعرضت للإغتصاب على يد (كيو أوه) وأنه هنو من ألقى سكينا على الحبل لكي يتخلص منها , حدث شرخ كبير في نفوس الفريق ولما يئس (كيو أوه) من إنكار فعلته فرَّ هاربا .

ينتقل فريق السيرك إلى مكان جديد وينضم للسيرك القزم المهرج (تشيل رونج) ,بينما ينهار(هاميونج ) بعد أن تأكد من استحالة ارتباطه بالفتاة الوحيدة التي أحبها ,وتصل الأخبار للجميع أن (جي هاي) غادرت المستشفى دون أن تجد الوقت لتشكر أعضاء الفريق على مساندتهم لها بعد أن جمعوا لها الأموال للعلاج رغم حاجتهم الشديدة لهذه النقود ,وتصور الجميع أنها هربت مع( كيوأوه) ولكن (هاميونج) لم يستطع أن يترك السيرك عندما نصحه (يون جاي) بذلك.

يصاب (جين بياو) رئيس السيرك بالشلل وينتاب الجميع شعور هائل بالقلق على مستقبل الفريق , فجين بياو كان يجمعهم ويساندهم ويحبهم .. تبدو حياة فريق سيرك (إيل وول) كسفينة ضربت في القاع الصخري…

فالرئيس يغادر الحياة منهيا مرحلة من التماسك والتآلف بين أعضاء الفريق ويتولى أخوه (كوانج بيو) رئاسة السيرك متبعا سياسة مغايرة جعلت أعضاء الفريق يتركون السيرك واحدا تلو الآخر حتى أنه حاول طرد المدير العام (ميونج سو) الذي كان يطالب بحقوق أعضاء السيرك, وكان يجيئ بأعضاء جدد حتى يقوم بتجنيدهم و يدينون له بالولاء.

يصاب الساحر العجوز (يون جاي) بالحمى وتسوء حالته الصحية , يحمله هاميونج للمستشفى , ولما يعود للسيرك يتحول تدريجيا إلى خيال مآتة قليل الكلام .

تقرر أم (سوك) أن ترسل ولدها إلى أبيه حتى تضمن له مستقبلا أفضل وهي تعلم أنها قد لا تراه مرة أخرى ..

يتصاعد الخلاف بين أم (سوك) والرئيس الجديد للسيرك ويعتدي عليها بالضرب بعد أن أخطأت أثناء تقديمها للعرض لأنها كانت مخمورة. وفي ليلة ممطرة تعود أم (سوك) إلى الخيمة بعد منتصف الليل وتتسبب عن طريق الخطأ في إشتعال ثقاب الكبريت في الخيمة .. كانت مثل نار جهنم .. سقطت الخيمة واحترقت بكاملها ..كان صوت المطر يشبه احتجاج أعضاء السيرك…

يجتمع الكل؛ هاميونج , القزم تشيل ريونج , ديوك بو, ويون هي في ضوء النهار ويقررون أن الأرض هي مسرحهم والسماء هي خيمتهم .. “سوف أعيش كرجل سيرك في هذا العالم رغم أنني أغادر السيرك الآن”.

 حالة إنسانية رائعة من المشاعر المتدفقة والآمال العريضة في المستقبل يحملها لاعبو السيرك في العالم وهم يخفون وراء الأقنعة والماكياج والإبتسامات العريضة والموسيقى الصاخبة والعروض الخطرة قلوبا تهفو إلى الطمأنينة والإستقرار .. إنه العشب العائم الذي قد يحالفه الحظ فيرسو على شاطئ الأمان وهو احتمال جد ضعيف.

فاطمة الزهراء حسن تقرأ العشب العائم

Tweet