رحيل الروائي جان – مارك روبير: أب أمريكى، أم إيطالية، وإبداع فرنسي

11:44 مساءً الأربعاء 10 أبريل 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الشباب الصغار الموهوبون الذين ملأت رواياتهم أرفف المكتبات فى أنحاء فرنسا طوال السبعينيات، والثمانينيات، من القرن الماضى، وشكلوا ظاهرة أدبية كبرى، يحصلون على الجوائز الأدبية، وتحقق أعمالهم أعلى المبيعات. هؤلاء الشباب الذين أصابت الشيخوخة وجوههم، وربما بعض أعمالهم، بدأت الأخبار تأتينا عن رحيل كل منهم الواحد تلو الآخر، وكأن ذلك بمثابة اعلان عن نهاية جيل من الأدباء، لم يكن لنا حظ كبير فى أن نقرأه أو نتعرف عليه، وليس العيب لديهم، بل لأننا قوم توقف عن الترجمة، ترجمة الابداع.

من بين هؤلاء الأدباء جان مارك روبير “3 مايو 1954 – 25 مارس 2013)، أحد الذين لمعوا فى سن مبكرة، هذه الظاهرة لم تقتصر على شخص أو جيل دون آخر. ولكنها موجودة دوما، وفى جيل روبير كان أغلب البارزين من الشباب الصغير. نشروا رواياتهم الأولى وهم دون العشرين من العمر، ومن أهم هذه الأسماء الكسندر جاردان، باتريك بيسون، باتريك موديانو، وروبير الذى نشر روايته الأولى وهو فى سن الثامنة عشر.

كان روبير، رغم سنه الصغير، غزير الانتاج، فهو ينشر رواياته بصفة دائمة بواقع رواية تقريبا كل عام، كما جاءت أهميته أيضاً فى أنه أحد الروائيين الذين يعملون بالصحافة فقد كان يكتب مقالات بصفة منتظمة فى مجلة vsd، وجريدة لوماتان، ومجلة نوفيل اوبسرفاتور فى الوقت الذى عمل مستشار قراءة فى دار نشر “سوى”، كما أنه كان واحداً من القلائل الذين اهتمت السينما الفرنسية بتحويل رواياتهم إلى افلام سينمائية.

ولد جان مارك، أما مارك أمه فكانت ممثلة ايطالية، وقد حكى عن هذا الأدب فى روايته “أبى الأمريكى” 1978 نشر روايته الأولى “الأحد، الاثنين، والأعياد” فى عام 1972، بعد عشرة أيام من تقديمها للناشر وحصلت على جائزة فينيون، وتتابعت رواياته بواقع رواية كل عام، وقد صحل على جائزة رينودو عام 1979 عن روايته “شؤون خارجية” التى تحولت إلى فيلم أخرجه بيير جارنييه ديفير، كما حصل علىج ائزة لوى دللوك عن روايته “الحيوانات الجادة” التى أخرجها للسينما دنيس جارنييه ديفير، ثم قدم رواية “صديق فانسان” 1982.

ومن بين أعماله الأخرى “النوم المتحرك” 1977، “أبناء الثروة” 1978، “صورة مخفية” 1983 “معاناة النمر” 1990، “ذات الرداء الأحمر” 1993، “أعمال شخصية” 1996، “السيد بينوكيو” 1998، “امرأة صغيرة” 2000، “حمام القطط” 2003، “سأتركك” 2004، “نصف 4قرن مضى” 2006″، و”الصلاة” 2008، “حياتان أفضل من واحدة” 2013، أما السيناريوهات التى كتبها فقد تم اخراجها فى تسعة أفلام منها “ساعات خاصة” اخراج بيير جارنييه ديفير عام 1986، و”استخدام الزيف” عام 1990، اخراج لوران هينمان، ثم النساء لا يعرفن النسيان 1996، لكريستوفر فرانك.

جاء فى مجلة “الاكسبريس” فى 30 مايو 1977، رغم أن جان – مارك روبير قد ألف ست روايات، وهو فى السادسة والعشرين، فإن روايته “النوم المتحرك” تعتبر رواية الأولى، وتدور فيها الأحداث فى اطار بوليسى، فـ “بيير الطويل” رجل هادىء يعمل تاجراً للدميات، انه يهتم بالأشباح، ويسعى إلى تطوير أعماله، هو رجل يحمل مسدسا فى جيبه، ويحاول أن ينفذ خطة بوليسية شاهد تفصيلاتها فى أحد الأفلام البوليسية، وهو “ليلة الصياد” حيث ترى روبرت ميتشوم يطارد طفلين انتقاما من أبيهما الذى زج به فى السجن، ويروح بيير الطويل يطبق تفصيلات هذا السيناريو، فيتحول إلى ساق للأطفال، ويدخل فى حالة من الحلم يسميه بالنوم المتحرك، فهو يعتبر أن عرض الأفلام على الشاشة بمثابة نوم متحرك، فهو يمشى اثناء النوم، وعيناه مفتوحتين، يحاول أن يخطف ابن رجل معروف يسمى فرانز، انها جريمة خطف بلا سبب، ولا ثمن لها، فلا أحد يعرف سبب الاختطاف.

يقول الكاتب “أردت أن أروى حكاية لص مرتبط بالقدر، بطلى لا يعيشى إلا عندما يأتى الليل، كأنه أحد الخفافيش، وليس بيير مجنوناً، بل عليه أن يهرب من صفاته، فيرفض كل القوى التى ينتمى إليها، انه رجل ثرى بماضيه، ويتحرك بدون سبب، يستحق أن يعيش غده”.

فى روايته “ابناء الثروة” نرى رجلا عجوزا يدعى رينيه الأصغر، اصابته صدمة عاطفية، وقرر أن يضرب عن الزواج، ويبدأ فى تأجير الأطفال، الأولاد فى التاسعة عشر، والبنات من السادسة حتى الثانية عشر، لقد وجد فيهم الويسلة المثلى لملء فراغه، واعطاء الأشياء البسيطة المعانى العظيمة، هو سعيد بحضور حفلات حفلات للصغار، يلعبون ألعاباً حادة، وتستمر الألعاب حتى الصباح، ويشعر الأطفال انهم يعيشون أجواء أسرية حقيقية.

كتب ميشيل يرودو فى مجلة “الاكسبريس” 21 أكتوبر 1988، ان جان مارك بوير صنع شخصياته فوق الورق دون أن تكون لها جذور حياتية، وهم ليسوا سوى أنفاس من حبر، فأشخاصه بلا جذور، وبدون ذكريات هى شخصيات هشة، فالرجل العجوز يؤجر أطفالاً لهم أشكال محددة، وهناك شخص يدعى مارتان، نقابى متمرد، يوافق أن يتم تأجيره لليلة من أجل صناعة البهجة، فى قلب العجوز رينيه.

أما روايته “صديق فانسان” فهى أشبه بقصص الأفلام، لذا فإن السينما ما لبثت أن التفتت إليها، هى حول شاب، مايسترو فى فرقة موسيقية، هو رجل سعيد، وأب لولدين بالغى الذكاء، يجد نفسه متورطاً فى قضية بوليسية، تدفعه إلى الذهاب إلى روما، وفيينا، كى يعثر على سر يخص صديقه فانسان، عازف الايقاع، فيلقى بالعديد من النساء، يسألهن عن فانسان، كيف تعرفن عليه، ومتى رأته كل منهن لآخر مرة، وتطول اللقاءات والتحقيقات والأسئلة، ثم يكتشف أنه لم يكن هناك شخص يحمل اسم فانسان.

فى روايته “شرير” هناك فتى صغير، ملىء بالحيوية، وهناك أيضاً “آنا” المرأة التى لا يمكن لمن يعرفها أن ينساها. تود أن تصبح مطربة، فتعمل فى صالة الهمبرا، انها أم لفتى صغير، لكنها ليست واثقة فيمن يكون الأب، تشك أنه ألبير أحد الذين تعرفت عليهم.. ريمى الشرير يود أن يتخلص من عشاق أمه، خاصة أن واحداً منهم هو أبوه، أمه امرأة جميلة، لديها العديد من العاشقات، فيصبح مراهقاً، ثم رجلا، يصبح عاشقا متميزا، ومحترفا، ويتعرف على المزيد من النساء من خلال شروره.

هذه هى أول رواية عن تجربته الخاصة، فهناك أوجه تشابه بين ريمى وبين روبير، فكلاهما يعشق النساء، ويعمل مستشاراً فى دار نشر، وفى الثلاثين، ومؤلف للعديد من الكتب، انه ينتزه فى باريس، ويصحب النساء إلى بيته.

وعن أبيه يكتب رواية “ابى الأمريكى”: “لم أتكلم أبداً عن جيرمى، ابى الامريكى، كان أبى دائماً يسكن بعيداً عنى، يتكلم بلغة أخرى غير لغتنا، لم أقل أبدا إن أنف أمى زينة، وخالتى يو قد اتسمتا بجمال بنات رومانى الحرب العالمية الثانية، كانت أمى تحلم بانسحاب القوات الأمريكية، كان الحالمون لدينا لا يفتقدون مطابعهم، أما جدتى فقد دفنت مع مظلتها، وايضا جدى الذى ترك وظيفته كمساعد قنل فى بيونس ايريس.

“أحفظ هذه القصص الواقعية عن ظهر قلب، انه قدر أخوالى، وقردى المصنوع من الجلد، ورغبات صوفى جليسر الأولى.. أخاف أن أروى كل ما أعرفه عن أسرتى”.

انه يتحدث دوما عن أبيه الذى لم يره، أحد الجنود الذين تعرفت عليهم أمه ذات يوم، فى بداية الرواية يسافر الأمريكى جيرمى جارف إلى باريس من أجل بعض الأعمال، يلتقى هناك بأختين ايطاليتين، فيطلب يد واحدة منهما، بعد أن ترفضه الأخرى، يأخذها معه إلى نيويورك، زينة الأم ممثلة، تجد نفسها قد تزوجت بسرعة، حالة من الجنون. تلد الصغير ارييل، يحس بالضياع لدى أسرته الأمريكية، تعود الأم إلى فرنسا، لم يتعلم الصغير الانجليزية، فالزوجان ليست بينهما لغة مشتركة للتفاهم، لذان عادت الأم إلى أوروبا.

فى روايته “معاناة النمر” يعيش جيل على ذكرى قصة حب، مصاب بالدوران، يعمل الرجل كاتب سيناريو، أما المرأة فهى قدرية، وفى حياة جيل عدة نساء، منهن الممثلة ماريون، إنها مصدمومة عاطفياً، محبطة حسياً، كما أن هناك “كام” المنتج السينمائى الذى بلغ سن الشيخوخة ويحب لعب البوكر، لقد توقف جيل عن الكتابة، وصارت هوايته متابعة الشرائط الفاضحة، ذات مساء يلتقى الأصدقاء الثلاثة: جيل، ماريون، كام، من أجل رؤية فيلم فى صالات الشانزلزيه، وتجمعهم ذكريات الماضى.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات