جمال طه: لماذا عجز مرسي عن عزل السِّيسي؟

10:46 صباحًا الخميس 27 يونيو 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

المحرر: في الوقت الذي تحفل به صفحات التواصل الإجتماعي بالردود الساخرة والتعليقات الساخنة كردة فعل لكل ما تأتي به جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزبها وحكومتها ورئيسها، تقل، إن لم تكن تندر التحليلات التي تتجاوز السخرية إلى قلب الحدث تحلله وتضيئه من زوايا قد تغيب عن زوايا المشهد الظاهرة. هذه المقالة للأستاذ جمال طه تعد أحد أعمق التحليلات المستندة إلى رؤية أشمل، وتجيب عن عدة أسئلة، ربما يكون من أبرزها أنه وخلافا لتوقعات الكثيرين في الإعلام من لخطوة استباقية من الرئيس المصري بعزل وزير دفاعه، فإن مرسي عجز عن ذلك، فما السبب؟ هذا ما يفسره الكاتب، ضمن إجابات أخرى لأسئلة مُثارة ومثيرة. تنشر آراء الديبلوماسي والخبير السياسي الأستاذ جمال طه على مدونته http://gamaltaha.wordpress.com/author/gamaltaha مصدر هذه المقالات المنشورة في (آسيا إن):

جمال طه

اقترن تعيين الفريق اول عبدالفتاح السيسي وزيراً للدفاع فى 12 أغسطس 2012 بتضارب فى التفسير بشأن ميوله وتوجهاته السياسية .. البعض رأى فيه واحداً من اعضاء الخلايا النائمة بالجيش ، وانه قادم لإحباط مؤامرة طنطاوي وعنان لإستغلال تحرك المعارضة المدنية فى 24 أغسطس – والذى كان قد دعا اليه محمد ابوحامد – فى الإنقلاب على حكم الإخوان ، ودللوا على ذلك بأن زوجته منتقبة ، وانه كثيراً ماشوهد مشاركاً فى ندوات المفكر الإسلامى محمد سليم العوا ، اما البعض الآخر فقد رفض هذا التوصيف تماماً مؤكداً ان وطنية الرجل وميوله السياسية فوق مستوى الشبهات ، وهو حاصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان فى مصر وبريطانيا ، كما انه حاصل على زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية العليا والأكاديمية العسكرية بالولايات المتحدة.

فى ظل الإختلاف فى وجهات النظر.. لماذا اختاره مرسي إذن ؟!

إختاره لأنه بحكم مناصبه (ابتداء من رئاسته لفرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع وانتهاء بمدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع) يعتبر الأقدر على السيطرة على القوات المسلحة فى وقت تم فيه الإطاحة بالقائد العام ورئيس الأركان وخلت الساحة ممن يستطيع إحكام قبضته عليه.

هل شارك السيسي فى مؤامرة مرسي للإطاحة بطنطاوي وعنان ؟!

كلا لم يكن طرفاً فيها ، وانما نجح مرسي فى إقناعه بأنه قد توصل لإتفاق مع طنطاوي وعنان على تسليم قيادة الجيش له ، ولأنه يعلم ان طنطاوي كثيراً ماكان يردد ان وزير الدفاع المقبل هو السيسي أصغر أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة سناً فقد تقبل الفكرة. وعندما ادرك ثلاثتهم (السيسي – طنطاوي – عنان) ماتعرضوا له من خديعة اتفقوا على إبتلاعها إعلاء لصالح استقرار ووحدة الجيش وأمن الوطن ، خاصة ان هذا التعيين خطوة متفق عليها ، حتى وان جاءت قبل موعدها.

هل شارك السيسي فى مؤامرة مرسي للإطاحة بطنطاوي وعنان

ولأن السيسي أقدر من كان يدرك حجم القصور فى القوات المسلحة التى مضى على تواجدها بالشارع وفى خضم السياسة قرابة العام والنصف ، فقد ركز على التدريب والتفتيش لتعويض ذلك القصور ، ومع مرور الوقت ، ورسوخ أقدامه فى منصبه ، وإطمئنانه على الجيش ، كانت مخاطر الإخوان على الأمن القومى المصرى تتضح امامه بالوقائع المادية ..الحصول على الزى والرتب العسكرية للجيش والشرطة بأعداد كبيرة لتستخدمها ميليشيات الإخوان..تخزين الإخوان كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر..عرقلة جهود الجيش والشرطة والمخابرات فى القبض على مرتكبى جرائم قتل شهداء رفح وخاطفى الجنود السبعة والحيلولة دون إغلاق الأنفاق.. استمرار الإفراج الرئاسى عن الإرهابيين وتجار المخدرات والسماح بدخول عناصر ارهابية للبلاد للتمركز فى سيناء – الإعلان عن مشروع اقليم قناة السويس الذى يضر استراتيجياً بمصر…الخ.

غير ان السيسي الذى يعلم ان كرسى السلطة فى مصر يلعب مع صاحبه ، لم يكن قادراً على التصدى للإخوان قبل تحسين علاقة المؤسسة العسكرية بالشعب ، وهى العلاقة التى ساهم الإخوان فى إفسادها بشعاراتهم المضادة للعسكر ، ومن هنا بدأ السيسي فى رأب الصدع مع المجتمع المدنى ، فوجه مجموعة من الرسائل الإيجابية ، أعقبها فى ديسمبر 2012 بدعوة مختلف القوى فى مناسبة اجتماعية وطنية تجاوبت معها كافة الإتجاهات واعترضت عليها الرئاسة فى اول ازمة تطرح الشكوك بينهما ، ثم تلى ذلك فى نهاية ابريل مشاركة السيسي فى حفل عيد تحرير سيناء الذى شاركت فيه مجموعة كبيرة من الإعلاميين والفنانين وكانت فرصة لظهور دفء المشاعر التى تسود بين الجانبين ، وتلى ذلك فى منتصف مايو 2013 ولآول مرة دعوة عدد من الكتاب، وقيادات المؤسسات الصحفية، والفنانين لحضور “تفتيش حرب” للفرقة التاسعة المدرعة بدهشور بحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان وقد احدثت هذه الدعوة حالة من التوجس لدى الرئاسة وقيادات الإسلام السياسى نظراً لعدم توجيه الدعوة لأى من ممثليهم للمشاركة ، ومع تصاعد التهديدات الموجهة للمعارضة المدنية من جانب قيادات الإسلام السياسى وبحضور الرئيس مرسي سواء فى مؤتمر نصرة الثورة السورية او مليونية “لا للعنف” خلال يونيو الجارى أفصح السيسي عن انحياز الجيش الصريح للشعب فى مواجهة مايتعرض له من تهديدات ودخل فى مرحلة مواجهة صريحة مع الرئاسة.
هل يمكن للرئيس ان يستخدم الحرس الجمهورى على نحو يدفعه للصدام مع قوات الجيش فى حالة انقلاب السيسي ؟!
من الناحية التنظيمية هذا امر وارد .. فالحرس الجمهورى يخضع لقيادته وليس لقيادة وزير الدفاع ، ومن خلال شخصية مرسي ورغبته فى التأكيد المستمر على انه القائد الأعلى للجيش فقد يكون أميل الى ذلك ، غير ان هناك عوامل تطمئننا من هذا الناحية ابرزها :

1- ان الحرس الجمهورى ينتمى من حيث الإعداد والتدريب والعقيدة القتالية الى نفس مدرسة الجيش المصرى ، ولذلك لن يقفا فى مواجهة كل منهما للآخر تحت أية ظروف.

2- ان مهمة قوات الحرس الجمهورى هى تأمين رئيس الجمهورية ، وقمع اى تمرد مضاد للنظام من جانب اى تشكيل عسكرى ، لكنه غير قادر على مواجهة الجيش المصرى مجتمعا.

3- ان قوات المنطقة المركزية التابعة للجيش قد تسلمت اليوم مبنى الإذاعة والتليفزيون من قوات الحرس الجمهورى رغم ان هذا المبنى وفقاً لبروتوكول الدفاع عن الأهداف الحيوية فى الدولة يدخل ضمن اختصاص الحرس مما يشير للتفاهم والتوافق بينهما.

4- ثم ان قيادة الحرس قد اعلنت أمس انها خلال احداث 30 يونيو ستدافع عن الإتحادية من داخل الأسوار مكتفية بالحواجز الخرسانيه بالخارج ، وانه فى حالة تجاوز المتظاهرين لتلك الحواجز فلن يستخدم الحرس سوى خراطيم المياه وإطلاق الأعيرة فى الهواء ، وهى إشارة طمأنه الى عدم استعدادها للتصادم مع المتظاهرين.

هل يستطيع مرسي عزل السيسي ؟!
فى ظل حالة الإستنفار والتعبئة الراهنة بالقوات المسلحة ، والتى يعكسها وقوف وتصفيق قيادات الجيش التى استمعت لكلمة السيسي الأخيرة تأييدا له فى انحياز الجيش للشعب ، لايجروء الرئيس على اتخاذ مثل هذا القرار لأنه بذلك يدفع الجيش للإنقلاب الصريح على حكمه.

اذن ماهو البديل أمام مرسي للتعامل مع الموقف ؟!
لو فكرنا بمنطق مرسي فإن افضل الحلول السياسية بالنسبة له هو ان يكلف السيسي بتشكيل الحكومة ، اولاً ليفصله عن الجيش ، وثانياً ليورطه فى معترك السياسة ، وثالثاً ليحمله السخط الناتج عن التدهور الراهن فى الأوضاع الداخلية بالبلاد ، ورابعاً ليسهل عزله فى مرحلة لاحقة ، الا ان تقديرى ان السيسي اذكى من ان يقبل مثل هذا العرض.
***
والخلاصة .. إن كل المؤشرات تعكس تفاقم حدة المواجهة بين الجيش والرئاسة الى الحد الذى يرجح معه ان التشكيلات التى خرجت من معسكراتها لن تعود لها قريبا ، وان الجيش سيكون هو الرقم الرئيسى فى المعادلة السياسية خلال المرحلة المقبلة ، بعد انتهاء حكم الإخوان

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات