قُلْ : عيــد الممثـلينَ ،، ولا تقلْ : عيــد الفـَـنّ !!

08:10 صباحًا الإثنين 31 مارس 2014
بشير عياد

بشير عياد

شاعر ، وناقد ، وكاتب ساخر ، يغني أشعاره كبار المطربين، له عدة كتب في نقد الشعر، متخصص في " أمّ كلثوم وشعرائها وملحنيها " .

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لا أجزمُ بصحّة ما عَرَفْتُهُ عن السبب ، أوالذي كان / كانت .. السبب ، في إعادة إحياء الاحتفال بـ “عيد الفن “بعد مكوثه في الديب فريزر لمدة ثلث القرن ، وفي كلّ الأحوال نحن مع الاحتفال ، شريطة ألا يكون بهذه الصورة المضحكة المهترئة التي جعلت من هذا العيد عيدا لطائفة الممثلين فقط ، ولذلك انسحبت عنه صفته وأصبح اسمًا فارغًا لا يدل على ما ينبغي أن يكون ، فقد غابت أركان الفنّ الأساسيّة ، وحضر الركن الأخير ( الذي لا نستهين به ولا نقلل من مكانته وحضوره وخطورته بالطبع ، ولكن بشرط أن يأتي في مكانه).

 وكما ذكرتُ في عدد سابق ، لم أستطع متابعة الاحتفال بالعيد على الهواء مباشرة بناء على رغبة وزارة الكهرباء التي رأت أنه من غير اللازم أن نتابعه فقطعت عنّا التيّار ، ولذلك شاهدت بعض فقرات الحفل مُعادة أو في النشرات أو على الانترنت ، لكنني تابعت الحفل كاملا على صفحات الصحف بأقلام المدلكاتيّة والراقصين على الورق الذين تعميهم الدعوات الخاصة عن رؤية الحقيقة وقول الحق ، وتبارى العشرات في التغزّل بالعيد السعيد ، وفي السيّد الوزير المزمن صابر عرب ( المزمن ، بعدد مرّات وجوده على رأس وزارة الثقافة المنكوبة ) ، وكأن السيّد الوزير قد فعل ما لم يفعله قدماء المصريين فيما يخص الخلود أو التخليد ، أمّا السيّد الرئيس ( عدلي منصور ) فله كلّ الاحترام والتقدير فمجرّد حضوره في هذه الظروف القاسية الخانقة يُعدّ تشريفًا وتكريما مُضافًا يستحقّه أهل الفنّ جميعا وليس أهل التمثيل فقط ، ولا يتحمّل السيّد الرئيس ـ وهذا هو الحق ، فلا نجامل أو ننافق ـ مسؤولية تجاهل قطاعات أساسية في أسرة الفن ، ولا دخل لسيادته بوضع أسماء أو حذف أسماء أو حتى مجرّد اقتراح أسماء ، هو ترك الأمر لأهله والعليمين به فهم أدرى به من غيرهم ، على طريقة “أهل مكة أدرى بشعابها ” ، فجاء هؤلاء “الأدرى بشعابها ” ليضعوا قائمة من الممثلين الراحلين والذين لم يرحلوا ليتم تكريمهم ، متجاهلين الشعراء والملحنين والمطربين والفنّانيين التشكيليين …. إلخ ، ولا ينبغي أن يأتي أحدٌ ليقول إن الشعراء والملحنين يتم تكريمهم في مهرجان تجريف وتخريب الموسيقى العربية الذي تقيمه دار الأوبرا في نوفمبر من كل عام ، وإن التشكيليين لهم تكريماتهم ، وكل طائفة لها أعيادها وتكريماتها ، فذلك مردود عليه بأن الممثلين لهم عشرات الجهات والهيئات والمهرجانات التي تقوم بتكريمهم ( وغالبا بلا مبرر ) فيحاصروننا بسيرهم الذاتية التي تحمل من التكريمات والتقديرات أكثر مما تحمل من أعمال !!

 كيف يكون هناك عيد للفن وليس بين المُكرّمين أحد شعراء الأغنية الذين صاغوا ديوان القرن العشرين ؟ أو أحد الملحنين العظماء الذين  أذابوا رحيق إبداعهم ليظل عطرا في حدائق الوطن الخالدة ؟ أو أحد المطربين العمالقة الذين حملت أصواتهم كلّ المعاني الكبرى التي صاغها الشعراء والملحنون وسافرت بها إلى الأسماع في كل مكان لترشقها في وجدان الملايين وتكوينهم ، وتحوّل الآمال والطموحات الوطنية  إلى نبضات وأنفاس وعناوين ومانشيتات على جدران القلوب والأرواح ؟

أم كلثوم بريشة الفنان عماد عبد المقصود ، رسّام جريدة فيتو

لو نظرنا ـ فقط ـ إلى أمّ كُلثوم والذين رافقوها على مدار خمسين عامًا على مسرح الحياة ولمئات الأعوام المقبلة ، لشعرنا بالخجل لتجاهلهم والتنكّر لهم في أول عيد يُعاد فيه الاعتبار لأهل الفن ! أمّ كُلثوم وحدها دولة من الفن ، ومعها من الشعراء أحمد رامي وأحمد شوقي وإسماعيل باشا صبري وبيرم التونسي وطاهر أبو فاشا وصلاح جاهين ومحمود حسن إسماعيل وصالح جودت وأحمد فتحي  وعبد الفتاح مصطفى وعبد المنعم السباعي وعبد الوهاب محمد وأحمد شفيق كامل ومأمون الشناوي وكامل الشناوي ومرسي جميل عزيز….إلخ ، تخيّلوا ؟؟ صوت واحد يحمل على جناحيه كلّ هذه الأهرامات التي نباهي بها الأمم ، ولا يأتي ذكر لأحدهم في أول عيد للفن يضرب له المدلكاتية الأعيرة النارية على صفحاتهم ؟ ماذا لو ورد اسم أمير الشعراء أحمد شوقي ؟ كم قيمة كان سيحملها العيد لمجرد ورود اسمه بعد اثنين وثمانين عاما من رحيله ؟ وماذا لو جاء اسم إسماعيل باشا صبري بعد إحدى وتسعين سنة من رحيله … أيّ جمال هذا لو حدث ؟ وكم تكريما يستحقه أحمد رامي الذي حمل على عاتقه إنقاذ فن الأغنية من مستنقعات الابتذال والانحطاط ليصل بأمّ كُلثوم إلى ما تعرفونه بلا شرح منّي ولا إسهاب من غيري ؟ أما الملحنون فكان ينبغي أن يكون على رأسهم الزعيم الأكبر محمد القصبجي ومن بعده زكريا أحمد ، فالأسطوري رياض السنباطي ، ثم جيل شبابها محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي وسيّد مكاوي ، أما هيَ فأعتقد أنها أكبر من كلّ التكريمات والاحتفالات والمهرجانات ، فقد رشقت اسمها في شفاه الزمن ، وقُضيَ الأمرُ ، ولا حاجة لها بأن يطالب أحد بتكريمها أو يحتج بسبب تجاهلها فهي التي تتجاهل التجاهل وتدوسه وتمضي ، وإذا ما نظرنا حولنا في دائرة الفن الغنائي التي حول أم كُلثوم لنرى عبد الوهاب بشعرائه ومطربيه ومطرباته ، وعبد الحليم ، وعبد المطلب ، وصولا إلى شفيق جلال وشكوكو ، لكتبنا ألفي اسم على الأقل من الذين يستحقون التكريم ، والموجع في الأمر أن السيد هاني مهنا ( رئيس اتحاد النقابات الفنية ) ـ حاجة تخضّ ـ من أهل الموسيقى والغناء ، له ألحان ومؤلفات موسيقية بديعة ، وعزف وراء الكبار وعلى رأسهم السيدة أمّ كُلثوم ، إلا أنه تجاهلهم أو نسيهم واكتفى بالتصريحات الصحفية والمؤتمرات الإعلانية ثم الوقوف فرِحًا سعيدًا فاغرًا فاهُ وهو يسلّم شهادات التكريم مع السيد رئيس الجمهورية والسيد وزير الثقافة  المزمن  ، شيء يستحقّ المساءلة بالفعل ، ليس من باب المحاكمة بالطبع ، لكن من باب العلم بالتفاصيل لتدارك الأخطاء في المستقبل ، أما السيد الوزير فلا تعويل عليه فكلّ همّه اللقب والصور التذكاريّة والراتب الشهري وكل ما هو جانبي ، عدا ذلك لا شيء يهم ، المهم والأهم أن يظل في الصورة ، وأن تستمر الأبهة والمنظرة وفريق المصورين يحيط به أينما ذهب ، وفريق المدلكاتيّة يمارس الكتابة بالأمر المباشر ، والكلّ يردد لحنا واحدا بلا خجل أو مراعاة لمسؤولية وطنية أو اجتماعية أو مهنية أو أخلاقية !

 الأمر نفسه ينطبق ، تمام الانطباق ، على معسكر الفن التشكيلي ، فمن الكبائر الفنية أن يخلو ” العيد ” من وجود أسماء مثل محمود مختار وصلاح طاهر وحسين بيكار ، أو أهل الكاريكاتير أمثال رخا وعبد السميع وأحمد طوغان وبهجت عثمان وأحمد حجازي ومصطفى حسين … إلى آخر القائمة ، ولا أبالغ إذا قلت إن مصممي أغلفة الكتب الآن يستحقون الدخول في قائمة الفنانين الكبار فقد أصبحت صناعة الكتاب فنّا ينافس أرقى الفنون ، ولو فتحنا زوايا الرؤية لوجدنا عشرات الفنون من حولنا يأتي في آخرها فن التمثيل الذي اقتصر العيد الأول ـ بعد العودة ـ عليه وحده باعتباره الكل في الكل ، والمصيبة أن ذلك العيد أعقبته صدمة شعبية بالغة القسوة بقيام نادي الطيران بتكريم الراقصة فيفي عبده كأم مثالية ، ومع احترامي للجميع وللراقصة ومشاعرها، هذه صفعة قاسية على وجه الحضارة المصرية بطول تاريخها ، واستهزاء بهذا الشعب الصابر الذي لا يكاد يفيق من الأهوال التي تتصارع عليه ، وبهذا ، من الممكن أن نقول إن التطوّر الطبيعي لعيد الفن سيُفضي ، بعد عقدٍ أو عقدين أحياكم الله ، إلى أن يقف السيّد رئيس الجمهورية الذي لا نعرف مَن سيكون ، وإلى جواره السيد وزير الثقافة الذي ربما يكون صابر عرب ،ومعهما رئيس اتحادات النقابات الفنية ، ويأتي صوت مذيع الحفل : الفنان الكبير السيد الأستاذ سعد الصغير ، ومع صعود المذكور سُلّم المسرح تعرض الشاشة لقطات له وهو يعلّق مؤخّرته في وجوه المشاهدين ، وبعده تجهش المذيعة مندهشة فرحانة : الفنانة الكبيرة… دينا الرقّااااااصة ، ومع صعودها السلّم تعرض الشاشة لقطات لها وهي تعرض ما لديها من خلال ما لا ترتديه ….، ثم يأتي الدور على الفنان الكبير فلان الفلاني الذي جاء من الحارة الشعبية ليقتحم الشاشة ويصعد إلى القمة بسرعة الصاروخ ، ومع صعوده سلّم المسرح بسرعة النملة تعرض الشاشة لقطات لواحد بشعر منكوش وحوله عشرات التكاتك الطائشة ، وينبعث الصوت بالغناء مرددا : ” أدّيك في الجركن تركن  “!!!

ــــــــ

بشـــيـر عيـَّــاد يتحفّظُ عليهِ إلى درجةِ الاحتجاجِ الصريح : قُلْ : عيــد الممثـلينَ  ،، ولا تقلْ : عيــد الفـَـنّ !! ـ  عن العدد 111 من جريدة ” فيتو ” القاهريّة ، الثلاثاء 25 مارس  2014م

ـ البورتريه ، بريشة الفنان عماد عبد المقصود ، رسّام جريدة فيتو . 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات