حليم الرومي … الملحن والموسيقار والفنان الكبير

01:41 مساءً الأربعاء 16 ديسمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حليم الرومي .. الملحن والموسيقار والفنان الكبيرالسباق الى اكتشاف (السيدة فيروز) … والمواهب الفنية الساحرة

بيروت ــ إسماعيل فقيه :

في كل زيارة أو لقاء مع الصديقة العزيزة المطربة ماجدة حليم الرومي، يبدأحديثنا بالسؤال عن الذاكرة الموسيقية الخصبة التي يمثلها ويجسدها حليم الرومي. في آخر لقاء جمعني بماجدة في منزلها في جونيه،شمال لبنان، بادرتني بالجواب قبل أن أتفوه بالسؤال وقالت لي بعدما وقفنا في بهو صالون بيتها نحدق بصورة حليم الرومي التي تتوسط الجدار الملون: “أرى في صورة والدي كل الزمن الذي عبر، أتلمس أكثر مساحة الزمن الذي سيعبر. إني أسمع وأتلذذ بعزف أنامله ، الآن وبالأمس وغدا. هذه الصورة لا تحمل أطياف الموسيقار حليم الرومي فحسب، إنها خارطة الزمان والمكان، رئة الحلم ونغم الأيام الذي ما زال يطربني، وأيامه لا تغيب عن مساحة ظلي…”

ــ حنا عوض برادعي ــ

حليم الرومي (1919 ــ 1983 ) علم من الأعلام الكبار يجسد اسم الذاكرة وأطيافها الموسيقية الخالدة. قامة فنية موسيقية،عبقرية فذة ساهمت في تأسيس الوعي الفني الموسيقي، وكانت سباقة الى اكتشاف المواهب الفنية الهامة والتي أغنت بدورها ذائقة الأجيال المتلاحقة.

حنا عوض برادعي، هو الاسم الأصلي لحليم الرومي، حملت العائلة لقب” الرومي” لانتمائها إلى طائفة الروم الكاثوليك. من مواليد الناصرة ــ فلسطين (1919) . بدأ دراسته الموسيقية في المعهد الموسيقي الوحيد في حيفا ، وكان قد قُبل فيه وهو في سن السادسة عشرة، تقديراً لموهبته اللافتة ، بالرغم من أن القبول في هذا المعهد كان يقتصر على الطلاب الذين أكملوا الثامنة عشرة من عمرهم. 

ورث حليم الرومي الموهبة عن والده عَوَض، إذ كان يتمتع بصوت جميل لكنه لم يمارس الغناء في حياته. 

في أوائل الأربعينيات بدأ حياته الفنية في مصر قبل حصوله على شهادة الدبلوم، فقدم أولى حفلاته في الإذاعة المصرية سنة 1938.

في الفترة الأولى كان يطلق على نفسه لقب “الفنان المجهول”، لأنه كان يشعر بمسؤولية دوره كفنان ويخشى الفشل، ولكنه سرعان ما عرف النجاح فنياً وشعبياً، فكشف عن اسمه الحقيقي، وبدأ نشاطه على نطاق واسع في الإذاعة والمسارح والاستعراضات كمطرب وملحن، وكوّن لنفسه شخصية فنية خاصة، يشهد لها في الوطن العربي وخصوصا مصر.

في الثلاثينات كان الموسيقار الراحل يتنقل بين فلسطين ومصر. وأكمل تعليمه الموسيقي في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة، وأنهى دراسته في مدة سنتين بدلاً من ست سنوات لنبوغه في مجال الموسيقى.

أما حفلاته الأولى فكانت في الإذاعة المصرية. وكان بدأ حياته الفنية كهاوٍ سنة 1935، بمشاركته في بعض الحفلات الخاصة وحفلات المسارح والمهرجانات في حيفا ـ فلسطين. 

نجمه تلألأ في صيف عام 1936 عندما غنى للمرة الأولى في لبنان، في أحد فنادق مصيف برمانا الشهيرة (جبل لبنان) إلى جانب بعض المطربين اللبنانيين المشهورينحينذاك الوقت مثل : لور دكاش، وديع الصافي،غرام شيا.

البداية الأهم والأصيلة بدأت من الإعجاب الذي ناله ، فقد اُعجب بصوته وأدائه السيد منير دلّة الذي ساعده لدخول معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة، ثم شارك كمطرب وملحن من خلال المسارح والاستعراضات، ولُقُب في مصر حينها (خليفة أم كلثوم). لإبداعه وتميزه في مجال الغناء.

عمل الراحل في “إذاعة الشرق الأدنى” التي اقامها الانتداب البريطاني، وكان مقرها وتبث من فلسطين ، وعمل فيها كمطرب وملحن وعازف، ونظراً لأدائه المتميز، اعتمدته الاذاعة في جميع الاحتفالات والمناسبات.

في تلك الفترة التي برزت فيها موهبته ، فاز بجائزة تلحين نشيد الجيش الأردني، بعد ذلك تسلّم رئاسة القسم الموسيقي في “إذاعة الشرق الأدنى”، وساهم في تحديثها وإعادة تنظيمها حتى أصبحت من أهم الإذاعات في الشرق الأوسط.

في أواخر الأربعينيات تزوج من الآنسة ماري لطفي فلسطينية الأصل وأنجب منها عوض ومها ومنى و”ماجدة”.

في سنة 1937، أتم تحصيل علومه الموسيقية في معهد فؤاد الأول خلال سنتين بدلاً من ست سنوات، وحاز على الدبلوم سنة 1939، الأمر الذي اعتُبر في حينه سابقةً لم تحدث في تاريخ المعهد.

من مراحل التحولات في حياة حليم الرومي ، كانت في أواسط الأربعينات وتحديدا في القاهرة،حيث تعرّف على المنتج السينمائي إبراهيم وردة، وشارك في تمثيل فيلمين سينمائيين هما “أول الشهر” و”قمر14″ الذي غنى فيه “يا مساء الورد على عيونك”.

عاد إلى بيروت عام 1950، وعُين رئيساً للقسم الموسيقي في إذاعة لبنان، وكان له دور كبير في رفع مستوى الأغنية اللبنانية، وتقديم عدد كبير من المطربين والفنانين.

ـــ حليم الرومي مكتشف السيدة فيروز ـــ

التقى الموسيقار والملحن حليم الرومي في أواخر الأربعينات بالمطربة فيروز حين تقدمت لامتحان القبول في إذاعة لبنان. فأعجب بصوتها وقدم لها أول لحن هو:”تركت قلبي وطاوعت حبك” وكان ذلك عام 1950، ثم أغنية ثانية هي: “في جو سحر وجمال”، واشتركت معه في أغنية دويتو من ألحانه هي: “عاشق الورد”، كما لحن لها أغنية جميلة أيضاً هي: “أحبك مهما أشوف منك”.

بعد هذه الأعمال المشتركة بينهما التي قدمها الرومي للأخوين رحباني. الا ان عاصي الرحباني لم يتشجع في البداية لها، لعدم تأكده من إمكانياتها في تقديم اللون المعاصر الذي يطمح إليه.

هنا كان دور (حليم ) بإقناعه، لأنه كان أكثر من يعرف قدراتها ومواهبها، وكان هو من اقترح عليها اسم (فيروز) بدلاً من اسمها الحقيقي نهاد حداد.

ولـحليم الرومي الفضل أيضاً في اكتشاف وتقديم الكثير من الأصوات وتدريبها وتعليمها أمثال سعاد محمد، وفايزة أحمد، ونصري شمس، ونونا الهنا.

ـــ حليم .. الغناء والموشحات ـــ

خاض (حليم) غمار تلحين وغناء الموشحات، وهذا النوع من الغناء لا يقدر عليه إلا من يمتاز بقدرات فنية متميزة. كان يعي أهمية هذا اللون الفني كونه من منبع عربي أصيل وليس دخيلاً، وفي الوقت نفسه يضم كنوز التراث الموسيقي العربية، والمقامات والأوزان، وهي مرجع كبير للموسيقيين ولا يمكن تغيير معالمها، فتحافظ على التماسك مع مرور السنين وتُحفظ من التعديل أو التغيير.

وأهم ما في غناء الموشحات أنها قابلة للغناء الجماعي، فيمكن تداولها وتوارثها بين الناس بعكس الغناء الفردي الذي يُنسى معظمه برحيل صاحبه.

لم يكن مفاجئاً أن يحصل “حليم” على الجائزة الأولى في مسابقة تلحين الموشحات الأندلسية والتي نظمها مجمع الموسيقى العربية في تونس عام 1972. وفي هذا السياق لحن (حليم) موشحات منها: (يا أٌهُيل الحي) و(وجب الشكر علينا)، و(يرنو بطرف).

ـــ المطربة ماجدة حليم الرومي ـــ

لم يشجع حليم الرومي ابنته ماجدة على خوض غمار الفن والغناء ، الا أنه تراجع عن موقفه وفتح لها باب (الأمل الغنائي) فلحّن لها مجموعة من الأغنيات منها “لبنان قلبي”، و”العيد عيد العالم يا أمهات” واسماها “صوت السلام والمستقبل” . وبدورها حملتماجدة شعلة والدها الفنية عالياً، وتسمكت بتراثه الموسيقي الطربي الغنائي، وامتشقته من جديد بنبرتها الهادئة

وأعادت غناء ، وفاءً لذكراه، بعض الأغنيات التي غنّاها ولحنها طيلة فترة حياته، منها (يرنو بطرف)، و(يا مكحل رمشك ليه يعني)، و(اسمع قلبي شوف دقاته)، ثم أعادت بصوتها بعضاً من أغانيه وبأداء وإخراج تلفزيوني منها (يا معذب قلبي)، و(اليوم عاد حبيبي)، و(يا مساء الورد على عيونك) . وفي إهداء خاص إلى ورح والدها أعادت من غنائه ولحنه أيضا أغنية (سلونا).

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات