حكايات شهرزاد الكورية: بورتريه “هوانك سوك يونغ”

11:42 مساءً الإثنين 28 يناير 2013
إيناس العباسي

إيناس العباسي

شاعرة وكاتبة وصحفية من الجمهورية التونسية، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

خبر حصول “لوكليزيو” على جائزة نوبل للآداب لهذه السنة، كان له وقع خاص هنا في كوريا الجنوبية. الاعلان عن الخبر صادف يوم تسع أكتوبر2008، يوم لقاءنا  مع الكاتب الكوري الأشهر “سوك- يونغ هوانك”….لقاء تمّ التخطيط له على امتداد شهرين نظرا لانشغاله بالترويج  لروايته الجديدة محليا وآسيويا وقريبا في أوروبا …

كان من الواضح أن الكوريون كانوا يتوقعون أن تؤول نوبل للآداب هذه السنة إلى أحد كتابهم إما الشاعر الوطني “كو أون ” أو الكاتب “سوك يونغ هوانك”…

أكد هذا الاتصالات الهاتفية التي ظل يتلقاها هذا الأخير طيلة السهرة من أصدقائه  إضافة إلى جملته المتوترة التي ظل يرددها على امتداد السهرة:

“هل تعرفون من تحصل على نوبل هذه السنة؟ إنه صديقي “لوكليزيو”…الأسبوع الماضي كان هنا في سيول …وكان معنا ناقد أدبي ياباني …قال أن أسماء “باموك” و “لوكليزيو” و “هوانك”  ظلت تتردد كثيرا في السنوات الأخيرة في لائحة نوبل…أما وقد أخذها “باموك” فالدور يعود إلى أحدكما…”

 مع الوقت تتغير المواضيع بين المزح والجد، يأخذنا بحديثه الشيق وذكرياته إلى مدن كثيرة نلف ثمّ نعود إلى كوريا…ثمّ يعود إلى نوبل…ثمّ ضحكات أخرى ونعود لحديث الذكريات والبدايات والأصدقاء…حركة التحرير…المظاهرات الطلابية في ثمانينات القرن الماضي…تجربة السجن بسبب زيارته الشهيرة إلى كوريا الشمالية…التنقل في المدن البعيدة …قضاء سنتين مختبئا في جزيرة “جايجو” التي تقع في جنوب البلاد…

 –         متى كان هذا؟

–          أيام المظاهرات في الثمانينات، حينها قبضوا على زوجتي، أقصد زوجتي الثانية التي كانت “قائدا” و “أختا” (قالها في معناها المسيحي) للجميع، لقد كانت امرأة قوية مثقفة وقائدا بالفطرة، الجميع كان يخشاها ….

–         حتى أنت؟

–          بلى أنا كنت أكثر من يخشاها.

ضحكات..

لا تستطيع الا أن تقع في سحر حديثه الثري وحكايات نضاله السياسي وآراءه حول ما يُكتب حاليا في كوريا…أسأله :

–         ما رأيك بأدب كوريا الشمالية ؟

بمرارة يجيب:

–  للأسف مايُنشر حاليا هناك، كله مُؤدلج ومراقب من السلطة ولا يمكن للكتّاب  التعبيرعن أفكارهم الحقيقيّة أو كتابة الابداع بعيدا عن حدود الأفكار السياسية والايديولوجية التي تلزمهم بها الحكومة…لكنني أشعر بالتفاؤل، فقد قرأت العديد من الكتابات الواعدة والمختلفة  لكتاب من الشمال رغم أنه ليس من السهولة الوصول إلى مثل هذه النصوص…فهي تُكتب وتُقرأ خلسة، لا تُنشر ولا تُوزع لأن هذا يعني سجن كاتبها…إن أي كتابة لا تمجد” كيم إل سونغ” أو ابنه هي كتابة مُلغاة تماما، إلاّ أنني أشعر بالأمل.

يلتفت هو إلى صديقنا الروائي الكولومبي الشاب “أندريس فيليب سولانو” ويسأله :

– ماذا عن كولومبيا ؟

– الوضع مختلف تماما، هناك هذه الحرب الأهليّة الغبية التي انطلقت لأسباب منطقيّة  ثمّ لم تتوقف وكأن هذه الحرب مستمرّة فقط كجزء من المشهد اليوميّ…

– لكن ماذا عن الأدب وحريّة التعبير؟

 – يمكن الحديث عن وجود حريّة خاصة في الأدب. إن جلّ حكامنا كانوا في الأصل شعراء  أو كتاب ولهذا السبب أعتقد أنهم لم يكونوا جيدين في ادارة البلاد…

– لهذا لا أصلح أن أكون رئيسا لكوريا…

ضحكات أخرى ..

أسأله :

– هل مازلت تحلم بوحدة الكوريتين؟

-أكيد لكن سيتطلب هذا سنوات طويلة، هناك العديد من الجسور والمراحل التي علينا أن نبنيها ونعبرها…

بمرارة خفيفة يضيف: أحيانا أريد الرحيل بعيدا عن هذا الوطن المُقسم…أشعر بالتعب من هذا الوطن…

– إلى أين ؟

– أن أذهب لباريس مثلا …تلك مدينة يسهل العيش فيها.

-هل تستطيع الكتابة هناك؟

– بلى، تلك المدينة ساحرة بشوارعها ومناخاتها ونبيذها…لكني في الحقيقة

لا أستطيع العيش بعيدا عن وطني ..

 هو الكاتب “سونك يونغ هوانك” والذي تُرجمت رواياته إلى العديد من اللغات والذي رُشح ثلاث مرّات لجائزة نوبل. من أبرز الكتاب الذين لديهم تأثير في القارئ والمواطن الكوري عموما…قضى سنوات طويلة في المنفى ونقل بحساسيّة مفرطة وجارحة في كتابه” الضيف” ما حصل أو التفسير لما حصل في الحرب الكورية في السنوات الخمسين حين اجتاح الكوريون من الشمال سيول وجنوب البلاد  لتستمر المجازروتدفق سيل الدماء  لمدّة ثلاث سنوات…

في كتابه الأشهر وطنيا وعالميا، “الضيف” ينبش البطل الرئيس وهو كاهن ستيني في تاريخ عائلته الشخصي، وتاريخ قريته الواقعة في الشمال، ومن خلالها تاريخ البلاد محاولا فهم ماحدث، يعود الراوي إلى الشمال بعد جهود وتصريحات تسمح له بالزيارة (إلى حدود السنوات التسعين كان من المستحيل العبور من إحدى الكوريتين لزيارة الثانية، في الوقت الحالي اختلفت المسألة نسبيا أي أن هناك استثناءات تخص المؤتمرات الثقافية والاقتصادية، كلّ ماعدا ذلك غير مسموح به، حتّى بالنسبة للأجانب زيارة إحدى الكوريتين تُنتج استحالة زيارتك للثانية الا بعد مرور خمس سنوات على الأقل…من يدري فمن الممكن أن تكون جاسوسا محتملا).

في الرواية ينقل شهادات الضحايا من كوريا الشمالية و التفسير الكوري الشمالي الرسمي لما حدث هناك على أنه نتاج للتدخل الأمريكي، لكن البطل سرعان ما يكشف للقارئ أن ما حدث مختلف تماما وأن الصراع انطلق  بسبب الأفكارالوافدة إلى البلاد من الخارج، مابين المسيحية والشيوعية والنداءات لاعادة تقسيم الخيرات بين الفقراء والأغنياء….

عنوان الرواية نفسه، الضيف، وهي كلمة كانت تُطلق في القرى الكورية على مرض الجدري، استعمله الكاتب ليرمز إلى كل الأفكار الجديدة والقادمة من الغرب التي اجتاحت البلاد وتسببت في انقسامها جذريا من الداخل…

 

 وُلد “سوك-يونك هوانك” سنة 1943 في “زهانكشون” بـ”ماندوشوريا” (الاسم القديم لشمال شرق الصين) أين لجأت عائلته التي ناضلت في كوريا ضدّ المستعمر الياباني. سنة 1945، عادت العائلة إلى “بيونجيانغ” ثمّ عبرت جنوبا واستقرت في “يونغدونغبو” ، إحدى المناطق الصناعية في سيول والتي وصفها الكاتب في روايته “أعشاب سيّئة”.

كانت انطلاقته الأدبيّة  بقصّة “المعبد” سنة 1962، والتي حازت جائزة جريدة “شوسون البو” ، جائزة سيحوزها مجددا سنة 1970 عن مسرحيّته “وهم”.

 أُرسل ضمن الوفد العسكري إلى الفيتنام أين سيقضي سنتي

1966و 1967. ظهرت تجربة الفيتنام التي خلفت فيه المرارة وذكريات الحرب  في  قصّتيه “عيون الظباء” و “عصفور مولجاوُول” وفي روايته “ظلّ الأسلحة”.

كان ينظر لمشاركة القوى الغربية (التي كانت كوريا متعاونة معها) في تلك الحرب على أنها عدوانيّة ضدّ شعب يقود حربه للتحرر والاستقلال.

” لقد جُندت وأرسلت للفيتنام. ما الفرق بين جيلي وجيل والدي، جيل جُند في الجيش الياباني، جيل كان مُجبرا للعمل لصالح “آسيا الكبرى التابعة للامبراطورية اليابانية” ، وبين جيلي الذي سُفّر إلى الفيتنام من قبل الولايات المتحدة لهدف انشاء ما يُسمى بمنطقة “السلام الأمريكي” في الشرق الأقصى خلال فترة الحرب الباردة؟ (من حديث الكاتب عن تلك الفترة).

أصدر في سنة 1970 روايته الشهيرة “السيّد هان” ، وهي حكاية عائلة فُرقت بسبب الحرب الكوريّة، وقد استعمل فيها الكثير من التفاصيل الذاتية: عمه الطبيب كان المثال الذي شكّل منه السيد “هان” ، أمّه كانت تختفي تحت قناع “يونغ-سوك هان” أخت السيد هان، جدّه الذي كان كاهنا وأحد المناضلين في حركة الاستقلال (1 مارس 1919) أصبح في الرواية الوالد.

أصدر “طرقات سامبو” سنة 1974 وهي من إحدى أولى مجموعاته القصصية، عند قراءتها لن تشعر بالروح الكورية فقط بل ستشعر بمشاكل الانسان عامة وصراعه في ظل الحرب وانقسامات المجتمع الداخليّة.

انطلاقا من سنة 1974 حتى سنة 1984، انطلق في كتابة ونشر روايته “جونغ جيلسان ” على شكل حلقات في جريدة يومية، مستقرا في جنوب “شولا” (منطقة في مدينة كوانغجو ). كان قد كتبها في عشرة أجزاء وحققت نجاحا كبيرا حتى في كوريا الشمالية أين بيع منها هناك مليون نسخة.

في سنة 1980، عرضت مسرحية “السيد هان” المستوحاة من الرواية وكان معظم من مثل فيها من المتظاهرين وضحايا حركة مقاومة الدكتاتورية التي انطلقت في “كوانغجو” وراح ضحيتها الآلاف من الطلبة والمدنيين. (لقد أطلقت السلطة وقتها جيشها بدباباته وطائراته واستعملت كل أساليب القتل والتعذيب…).

كان “سوك يونغ هوانك” رمزا وطنيا بالنسبة للكثيرين في تلك الفترة: “لقد حاربت ضد دكتاتوريّة “شونغ-هي بارك” (أحد رؤساء كوريا الجنوبية) ، عملت في مصنع وفي مزارع “شولا” وشاركت في حركات الدفاع الشعبية في كل مكان من البلاد …وفي سنة 1980 شاركت في إنتفاضة كوانغجو. لقد ارتجلت  مسلسلات وكتبت بيانات ونظمت أغاني وأسست مجموعة كتاب متمردين ضدّ الدكتاتوريّة، وأطلقت إذاعة سريّة كان اسمها “صوت كوانغجو الحرّة “.

سنة 1985، كشفت روايته “ظل الأسلحة” عن تجربة الحرب في الفيتنام وتم ترجمة روايته “أراض مجهولة ” إلى اليابانية .

سنة 1989 سيعبر من “بيكين” إلى “بيونغيانغ” في كوريا الشمالية باعتباره ممثلا لجمعية فناني كوريا الجنوبيّة. مما سيؤدي إلى اعتبار النظام الكوري الجنوبي له  على أنه جاسوس يعمل لصالح كوريا الشمالية. بدل العودة إلى سيول سيلجئ إلى برلين أين دعته أكاديمية الفنون الألمانيّة. ورغم عن هذا فقد تلقى في نفس الفترة جائزة “مانها” (إحدى أهم الجوائز الأدبيّة الكوريّة) في سيول عن روايته “ظلّ الأسلحة” .

“عندما زرت الشمال، رأيت أن كتاب الشمال قد قرأوا قصائد وروايات للكتاب التقدميين في الجنوب. كان السبب الرئيس لزيارتي هو توطيد التبادل بين جمعية فناني الجنوب والاتحاد العام للآداب والفنون في الشمال. لقد اقترحت اصدار مجلة تشجع وتنشر أعمال كتاب من الشمال والجنوب على حد سواء وهكذا وُلد “أدب  اعادة الوحدة “.

درّس سنة 1990 في جامعة “لونغ ايزلاند ” (في نيويورك) كأستاذ مدعو ضمن التبادل الثقافي. ثم اختار العودة إلى كوريا سنة 1993 فهو يؤمن بأنّ: “على الكاتب أن يعيش في بلد لغته الأم” . تم القبض عليه مباشرة إثر عودته ومحاكمته  للمساس بالأمن الوطن وحكم عليه بالسجن سبع سنوات. في سجن “كونغجو” أين قضى مدة عقوبته، قرأ كثيرا وأضرب عن الطعام  لسوء معاملة المساجين السياسيين ولعدم السماح له بالكتابة، حتى الحصول على قلم كان محظرا واستوجب الاستنجاد بجمعية “مانها” الثقافية، وحتى حين سمحوا له بالكتابة كان في كل مرة يريد فيها  ذلك  يتوجب عليه التقدم بطلب لمدير السجن الذي يحوله إلى وزارة العدل وعندما تعطي السلطات موافقتها، وقتها فقط يستطيع الشروع في الكتابة.

“مرة كل أسبوع  كان عليّ أن أعرض مخطوطي للمدير وللمسؤول عن الأمن وللجنة الفحص والتفتيش كي يتأكدوا أن ما أكتبه يتماهى مع ما هومسموح لي بكتابته …مانفع الكتابة في مثل هذه الظروف؟ ” (من حديث الكاتب).

لكنه سيكتب في السجن نصه الشهير حول الشمال :” هناك أيضا يعيش ناس” .

في مارس 1998 سيحظى بالعفو الرئاسي من قبل الرئيس “داي-جونغ كيم “(الحائز على جائزة نوبل للسلام لسنة 2000) مباشرة بعد توليه الحكم بفترة قصيرة.

وفي سنة 2000، سلم سوك-يونغ “الحديقة القديمة ” مسلسل روائي، إلى الجريدة اليومية “دونغا البو” التي ستجل عودته لجنس الرواية بعد صمت عشر سنوات . الرواية التي تحكي حكاية عودة متمرد بعد أن يسجن وينفى وتصف رحلة بحثه عن ابنته، حققت نجاحا كبيرا جدا وتحصلت على جائزة أدبيّة :

“لا أؤمن بالنظرية القائلة أن الماركسيّة انتهت …المجموعة والفرد هما حقيقتان لا يجب الفصل بينهما. لقد كتبت “الحديقة القديمة ” بهدف احترام قيم الديمقراطيّة لكن أيضا لاحترام حياة الأشخاص وسعادتهم. إنها رواية مثل القدّاس الذي يصف الحياة الداخلية لجيل السنوات الثمانين الذي كان يحلم بحياة أفضل ” .

و في سنة 2002 صدرت روايته الأشهر عالميا، “الضيف” حيث يهتم الراوي بالبحث في أحداث المجزرة التي وقعت في قرية “سينشونط ” بكوريا الشمالية والتي نسبت للأمريكيين لكنه يكشف أن ما وقع في الحقيقة هو مواجهة بين مجموعة بروتستانية وفلاحين شيوعيين: “كان المسيحيون قد اعترضوا على الاصلاح الزراعي ونظّم الشيوعيون الانتخابات أيام الآحاد عمدا …لقد حدث الكثير من العنف و القتل. أصبح المسيحيون والاشتراكيون أعداءا حتى الموت. وهكذا حصلت مجزرة فظيعة بين الكوريين “.

تعاون “سوغ يونغ هوانك ” مع قناة  ” سي تي في” و التي تعرض أيضا في اليابان والصين. وحولت العديد من رواياته إلى أفلام ومسرحيّات وسيناريوهات أفلام .

 حياة  “سوغ يونغ هوانك ” حياة  يصعب اختزالها في أسطر، حياة ثرية تصلح لأن تكون فيلما ممتعا مع ظلال الأيام السوداء…فيلم قد يكون عنوانه :

Forever young! Young…

هذه الجملة التي ظل يرددها طيلة  لقاءنا به طالبا منا أن نناديه باسمه الأول، لاعبا على معناه الانكليزي:

“يونغ”  نادوني” يونغ”…..Forever  young!

و “سوغ يونغ هوانك ” لا يحتاج أمنيات باستمرار شبابه، لأن روح المبدع فيه أبديّة الشباب واليقظة…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات