حكايات شهرزاد كوريا: تنين برأسين!

03:19 مساءً السبت 5 يناير 2013
إيناس العباسي

إيناس العباسي

شاعرة وكاتبة وصحفية من الجمهورية التونسية، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

المنطقة المنزوعة السلاح DMZ بين الكوريتين

وقيل وصل رحالة وتجارعرب إلى شبه الجزيرة الكورية في فترة مملكة “كوريو” ، وحين سألوا عن اسم البلاد وعرفوه وعرفوا اسم المملكة لم ينطقوا كلمة “كوريو” بل نطقوها “كوريا” ومن هناك جاء اسم البلاد…

كوريا: النمر النائم الذي عصفت به رياح الآخرين فزرعت فيه حروبا ودماءا، فتحول إلى تنين برأسين…رأس متجه للشمال و الثاني للجنوب…

“هزت الأرض ارتعاشات الموت

حتى الجذور الأعمق…للشجر وللنباتات

حتى الينابيع الخفية للمياه…

والحكاية تعيد نفسها

قابيل يتقاتل مع هابيل

وبدل قبر …مقابر جماعيّة

وبدل غراب …غرابين -عدوين- صديقين

والحكاية تُعيد نفسها بدم جديد…”

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1945 تحررت كوريا نهائيا من هيمنة الاحتلال الياباني …لكنها سرعان ما احترقت بنيران حرب أهلية مات فيها الكثيرون وأدى إلى انقسامها إلى  كوريتين مختلفتين…لم تعد توحدهما الأهداف: واحدة شيوعية حد النخاع والثانية ترى في أمريكا منقذتها وحاميتها. ومع مضي السنوات ومع النهضة الاقتصادية أو ما يسمى بالمعجزة الكورية التي عرفتها الجنوبية، غرقت الشمالية في الفقر. وظلت العلاقة بينهما قائمة على جملة من الاشتباكات والتوترات والتناقضات. مختلفتين حتى في اللغة، أصبح لكل بلد لغته الكورية الخاصة به المختلفة عن الثانية وتشكلت كلمات جديدة وأصبح من الصعب أن يفهم واحد من الجنوب ما يحكيه واحد من الشمال…

 تفصل الكوريتين  منطقة الـDMZ، المنطقة المنزوعة السلاح يحرسها من على الجانبين جنود في حالة توتر دائمة ومستأهبون دائما لاطلاق النار، خاصة من الجهة الشمالية…. ربما  أفقد حياديتي حين أقول هذا .. .لا أعرف …لكن كل الناس حولي في كوريا الجنوبية مسالمون وما من أحد يريد الحرب بل بالعكس يرحبون بفكرة توحيد البلدين مع بعض التحفظات بسبب التفاوت الاقتصادي الكبير بين البلدين. والجنوبية هي التي ترسل مساعدات غذائية للشمالية وهي المتشبثة بقشة السلام…بالإضافة إلى المساعدات الفردية من أشخاص ظل الكثير من أقرباءهم عالقين في الشمالية…آباء وأمهات كبروا وصاروا الآن أجدادا وجدات لم يروا أبناءهم الذين صاروا الآن آباء و يحتاجون لمن ويرعاهم في كبرهم…منذ أكثر من خمسين سنة وهم عالقون هناك لا تسمح كوريا الشمالية برحيلهم و لا حتى بتواصلهم مع أقرباءهم فهناك فالاتصالات الهاتفية الدولية ممنوعة وغير موجودة أصلا …وهناك أيضا لا وجود للأنترنيت…يقولون أن هناك بعض الاستثناءات للاتصال لكن لا أحد يعرف كيف ومتى…يقولون أيضا مثلما حكت لنا بمرارة “شين يونج” ونحن في طريقنا لمحاورة الشاب الذي هرب من كوريا الشمالية عبر الصين، بأنهم كثيرا ما يرسلون أموالا إلى جدتها العجوزالعالقة في وحدتها هناك، لكنها لا تصلها لأن المسؤولين في كوريا الشمالية يأخذون المال فكل ما للفرد هو للشعب…

في أول زيارة لي لكوريا، زرت المنطقة المحيطة بالـDMZ  التي تبعد عن سيول 50 كيلومتر…فقط! والتي حولت في جهتها من الجانب الكوري الجنوبي إلى منطقة سياحية بأتم معنى الكلمة، تنظم مكاتب سياحية متخصصة رحلات سياحية إليها، قد تلغى في آخر لحظة إذا ما شعروا بتوتر على الحدود…وفي المكان باعة تذكارات بوذية وأعلام كورية صغيرة وأقلام وقمصان طبع عليها الرمز العالمي للسلام وصور جيفارا…ومبنى من طابقين تباع فيه تحف وتذكارات كورية وعلى سطحه خصصت منظارات تقريبية، بها تمكنا من رؤية طرفا من أراضي كوريا الشمالية. حين وصلنا إلى الجدار الحديدي الفاصل بين الكوريتين …كان الهواء البارد يحرك مئات من الرسائل المكتوبة على أوراق و أقمشة من مختلف الألوان والأحجام كتبها عشرات الأشخاص الذين زاروا المكان قبلنا…كلمات كثيرة رفرفت برغبة التحليق عاليا خُطت عليها، بلغات مختلفة أمنية واحدة: توحيد الكوريتين…يومها  انضمت إليها كلمات كل واحد منا بعد أن أخذ قلمه وخط  أمنيته….

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات