سقوط مرسى..وسيناريو نجاح الثورة

05:08 مساءً السبت 29 يونيو 2013
جمال طه

جمال طه

خبير مصري في العلوم السياسية. عمل برئاسة الجمهورية ووزارتي الخارجية والسياحة. كما عمل بالمجلس القومى لحقوق الإنسان مستشارًا إعلاميا، ومديرًا تنفيذيا للمشروع القومى لنشر ثقافة حقوق الإنسان.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

المحرر: تنشر آراء الديبلوماسي والخبير السياسي الأستاذ جمال طه على مدونته http://gamaltaha.wordpress.com/author/gamaltaha مصدر هذه المقالات المنشورة في (آسيا إن) 

رغم شعور طاغ بالملل اثناء بث خطاب مرسى ليلة 26/27 يونيو الجارى ، ووسط إصرار منه على الإطناب فى شرح كل جملة وردت فى النص المكتوب بالخطاب ، لفت نظرى ان هناك جمل محدودة للغاية إلتزم الرئيس بقراءتها بنصها المكتوب فقط .. تلك التى صاغها مكتب الإرشاد ، ووجه بعدم التصرف فى النص سواء بإعادة الصياغة ، او بالشرح ، واعرض هنا اربعة من تلك الجمل :

 *   ” لم يدخر اعداء مصر جهدا في محاولة تخريب التجربة الديمقراطية بل ووأدها بمنظومة من العنف والبلطجة والتشويه والتحريض والتمويل بل واللعب بالنار في مؤسسات شديدة الأهمية”

*   ” هناك معارضة وطنية لا نملك جميعا الا ان نتكاتف من أجل أن تقوي ويصبح لها وجود شعبي بحيث تقوم بأدوارها الأساسية في تداول السلطة والرقابة الديمقراطية وتقديم البدائل في الحكم والتنمية”.

*   ” نريد معارضة وفية وعندها رؤية ووجهات نظر ، الناس تنتخبها لكي تتبادل السلطة مع القائم عليها الذي انتخب من الشعب”

*   ” أحرص على تداول سلطة حقيقي وديمقراطي في مصر حتي لو كان غدا طالما أنه يتم طبقا لما احرزناه في مسيرة الديمقراطية من استقرار ودستور وسأحرص كي نعتاد على تداول السلطة بطريقة سليمة مثل العالم أجمع”.

وتحليل مضمون هذه الفقرات يعنى مايلى :

*   الإقرار بأن حكم الإخوان يتعرض لمحاولات جادة – وبمختلف الوسائل – لإسقاطه.

*   ان الإخوان ستدعم شعبية المعارضة الوطنية لتفعيل دورها فى الرقابة الشعبية .

*   ان هذه المعارضة وفية ، ولديها رؤية ، ووجهات نظر جديرة بإختيار الشعب لها ، كبديل ديمقراطى للحكم الحالى.

*   ان هذا الطرح يتسم بالجدية الى حد الإستعداد لتنفيذه فوراً ، فى إطار الدستور ، وبطريقة لاتسقط النظام الراهن.

وبشكل متزامن مع هذا الخطاب خرج عبدالمنعم ابوالفتوح رئيس حزب مصر القوية محاولاً تصدر المشهد بمجموعة متعاقبة من التصريحات التى تدافع عن الإخوان وتحمل محمد مرسى كامل المسئولية عن الفشل مؤكداً :

*   ان انشقاقه على الإخوان لم يكن خروجاً على عقيدتهم ، بقدر ماكان انفصال إدارى وتنظيمى ليتمكن من الترشح للرئاسة (وكأنه يؤكد انه لم ولن يكن شريكاً فى ضرب الإخوان او إسقاط نظامهم) .

*   ان فشل مرسى يرجع الى انه نادراً مايلتفت لبعض النصائح التى يقدمها له مكتب الإرشاد (وكانه لو التزم بهذه النصائح لنجح فى إدارة الدولة)

*   ثم انه شخصياً عرض على مرسى مساعدته بالأفكار والرؤى والنصيحة خلال مقابلته معه اواخر العام الماضى ، لكن مرسى لم يبد اى استعداد للتجاوب مع عرضه.

ولكن لماذا يلجأ الإخوان لأبوالفتوح فى تلك الظروف الصعبة التى تمر بها الجماعة؟!

1-   أن الإخوان تدرك ان سقوط مرسى قد اصبح مسألة وقت ، وان هذا الوقت لن يطول.

2-   ان ابوالفتوح من اكثر الموالين لفكر الجماعة ، وان تميز عن باقى قياداتها بانفتاحه ، حيث كان رائداً لجيل التجديد داخلها ،مايعنى انه قادر على اجتذاب قطاع من شباب الثورة.

3-   ان ابوالفتوح خلال ترشحه للرئاسة حظى بتأييد صريح من الشيخ القرضاوى ، كما دعمه العديد من التنظيمات والقيادات السلفية التى انقلبت حالياً على الإخوان.

4-   ان خسارة ابوالفتوح فى الجولة الأولى ترجع الى تفتيت اصوات التيار الإسلامى بينه وبين مرسى والعوا ، وتتصور الجماعة ان الإتفاق على دعمه فى اى انتخابات مقبلة يعزز من فرصه فى مواجهة تفتت القوى المدنية.

المفاجأة .. بروفة 30 يونيو اسقطت مرسى

لابد ان نقرر بداية وبقدر عالى من الثقة ان البروفة المبكرة لتمرد 30 يونيو ، والتى بدأها الشباب اليوم على نطاق واسع وعلى امتداد مختلف المحافظات قد أعطت مؤشرات بالغة الإيجابية دفعت مختلف القوى المؤثرة فى الموقف داخليا وخارجيا الى مراجعة مواقفها ، وذلك فى ضوء السقوط الحتمى لحكم الرئيس مرسى واهم مظاهرها:

1-  ماتردد عن دعوة قيادات التنظيم الدولى للإخوان التى اجتمعت فى بروكسل اليوم لمكتب الإرشاد بضرورة إقناع مرسى بسرعة التنحى ، والإعلان عن إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة ، محذرة من ان استمرار تجاهل حالة الغضب الشعبى الراهنة يعنى انتهاء جماعة الإخوان فى مصر للابد.

2- بيان وزارة الخارجية الأمريكية الذى يحمل “مرسى” نتائج ما يجرى من أحداث ، ويؤكد دعم الحكومة الأمريكية للشعب المصرى فقط وعدم دعم نظاماً محدداً أياً كان ، فضلاً عن تاكيدها على حق المصريين فى التعبير عن آرائهم بحرية، وعلي الجنرال السيسي حماية هذا الحق.

3-  رحيل أمير قطر الداعم الرئيسى لمرسى والإخوان ، وبدء الأمير الجديد حكمه باستبعاد عدد من العناصر المحسوبة على الإخوان من المناصب الحساسة فى قطر ، فضلا عن تأكيده في اول خطاب له غداة تسلمه مقاليد الحكم ان بلاده ترفض الطائفية في العالم العربي ولا تحسب على تيار سياسي ضد آخر .

4- انقلاب العديد من القوى السياسية المحسوبة تقليديا على الإخوان بمافيهم أيمن نور وسلفيين حزب النور وعدد من قيادات الدعوة السلفيه والإستقالات الجماعية من حزب الوسط.

5- انخفاض الروح المعنوية للمحتشدين برابعة العدوية نتيجة بعدهم عن مقارهم السكنية بالمحافظات ، واحساسهم باتساع حجم الحشد الشعبى المضاد ، فى الوقت الذى تخلت عنهم قيادات الإخوان.

5-  التزام الشرطة بحيادها وعدم انحيازها للإخوان ، بل انها قد تدخلت فى عدة مواقف للقبض على عناصر تنتمى للجماعة لحملها اسلحة او اعتدائها على المتظاهرين.

6-  ترقب الجيش المصرى وصول معدلات الحشد بالقاهرة والمحافظات حداً تعتبره ساعة الصفر لإعلانها سقوط شرعية النظام وحقن الدماء.

ماذا نتوقع من تطورات خلال عملية سقوط مرسى؟!  

كل من شاهد مليونية الإخوان اليوم لاحظ ذلك التغيير الجوهرى فى لهجتها – لا للمتحدثين على منصتها فحسب – بل فى اوساط المحتشدين ، فلهجة الإستعلاء التقليدية تم استبدالها بتضرع الى الله واحساس داخلى عميق بالهزيمة امام الحشود التى فاقتهم على امتداد الجمهورية ، كما ساهم إحراق عدد من مقار الجماعة بالمحافظات ، واضطرار اعضاء الحرية والعدالة بالإسكندرية للإنسحاب – رغم استخدامهم للأسلحة على نطاق واسع – امام الكثرة العددية للجماهير الغاضبة ، وذلك يعنى انه لم يعد امام الإخوان سوى اللجوء لآخر الكروت ، وهو استخدام القوة والترويع.

مصادر الخطر..

 للعنف المتوقع ثلاثة مصادر رئيسية :

اولاً :     عناصر حركة حماس التى تسللت بالفعل الى القاهرة والإسكندرية وبعض المحافظات (يقدرون بحوالى 600 عنصر) والتى ترى ان استمرار حكم الإخوان يشكل عمقاً استراتيجياً لغزة ، وبالتالى فإن سعيها للحيلولة دون سقوط مرسى ، ثم عدم استقرار الأوضاع بالبلاد حال سقوطه ، سيتم من خلال عمليات التخريب والإغتيالات سواء بالإتفاق مع الإخوان او بدون هذا الإتفاق ، وقد تمكنت أجهزة الأمن والشرطة المصرية وقوات الجيش من القبض على أعداد كبيرة منهم فى القاهرة والإسكندرية على مدى الأيام الثلاثة الماضية.

ثانياً :      بعض قادة التنظيمات المتطرفة والتى ترى ان سقوط حكم الإخوان سيعرضهم للمساءلة الجنائية فى قضايا تتعلق بالأمن القومى للبلاد (حازم ابواسماعيل –  عاصم عبدالماجد – الظواهرى – مرجان …)

ثالثاً:    بعض القيادات والعناصر الدينية المتعصبة ، والتى ترى فى المواجهة السياسية الراهنة بين الحكم والمعارضة حرباً دينية تفرض الجهاد ولاتحتمل سوى النصر او الشهادة.

التأكيد على بعض الملاحظات والدروس مستفادة

الملاحظة الأولى :

         ان خطورة ماحققته بروفة 30 يونيو من نجاح يتمثل فى بث الطمأنينة فى نفوس الشعب الى نجاح الحشد المطلوب ، فتسود حالة من التراخى تنتهى بالفشل ، إذن  فالتراخى غير مسموح به لأى سبب من الأسباب ، كما لاينبغى استعجال النتائج.

الملاحظة الثانية :

         ضرورة تنظيم المتظاهرين لأنفسهم والسيطرة على الميادين على النحو الذى يحد من فرص التسلل اليها سواء لتنفيذ عمليات تفجير وترويع على نحو ماحدث ببورسعيد ، او للتحرش كما حدث فى التحرير لأن تلك الظواهر يتم تنفيذها بهدف الحد من مشاركة الجماهير فى المظاهرات

الملاحظة الثالثة:

         ان عملية الحشد إعتباراً من اليوم الثانى (1/7/2013) ينبغى الا تترك للمبادرات الفردية حتى لايصيبها الفتور ، بل ينبغى ان تبدأ النقابات المهنية والقطاعات الفئوية فى حشد أعضائها بالتناوب ، على النحو الذى تستمر معه زخم الحشود بما تحدثه من ضغط سياسى.

الملاحظة الرابعة:

        الحرص على تجنب الحشد حول الإتحادية قبل سقوط النظام..هذا الحشد له محاذير بالغة الخطورة..إعطاء الفرصة للمهيجين فى رابعة العدوية لتوجيه جماهيرهم الى هناك للصدام..كذلك اتاحة الفرصة للمندسين فى الهجوم على القصر ممايؤدى الى صدام مع الحرس الجمهورى والأمن المركزى..واخيراً تشتيت الحشود واستهلاك طاقة المشاركين فيها..ونذكر من جديد ان حشود المتظاهرين بميدان التحرير خلال الثورة قد أسقطت مبارك بالفعل قبل ان يصل متظاهر واحد الى قصر العروبة.

الملاحظة الخامسة:

        الرفض الكامل لمناقشة فكرة تداول السلطة التى سيطرحها الإخوان فى إطار البحث عن خروج آمن ..هذه الفكرة عبارة عن دفع بديل اخوانى لمرسى يكفل استمرار التنظيم فى عملية التمكين من حكم مصر والإستيلاء الكامل على الدولة ومؤسساتها.

الملاحظة السادسة:

         ضرورة ان يتم التوافق بين كافة المشاركين فى الثورة على ان نجاحها لايعنى تسليم مقاليد الأمور الى نظام مبارك ، او الى شفيق ، فمصر ينبغى ان تبدأ البناء على أسس جديدة تحررها من رصيد الماضى الذى يتسم فى مجمله بالألم والمعاناة.

                            ضعوا الأيدى على القلوب..وابتهلوا الى الله بالدعاء..قبل ان تنطقوها “مبروك لمصر”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات