مصر أكثر غضبًا في الذكرى الثانية لجمعة الغضب

08:02 صباحًا الإثنين 28 يناير 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في مقهى ريش، بقلب القاهرة، رسم الفنان جورج البهجوري هذه اللوحة وأهداها للمكان التاريخي الذي شهد حضور مبدعي مصر. اليوم مثله كمقاهي مصر، غاب الإبداع وحضر حديث الشهداء

لم يعد الحديث اليوم في مصر عن الثقافة والفن والإبداع، الوجوه التي عرفت مصر بها أمام العالم العربي والإسلامي والغربي، طوال التاريخ الممتد لأكثر من 7000 سنة، بل أصبح الكلام قاصرًا على تداول الأزمة الطاحنة والديكتاتورية الكارثية التي تدور في فلكها البلاد منذ أن تولى ممثل جماعة الإخوان المسلمين حكم مصر.

سكت صوت أم كلثوم في مقاهي مدينة بورسعيد الساحلية على رأس قناة السويس شرق البلاد ، سكت والمدينة ـ مثل كل المدن ـ  بسبب سوء إدارة أزمة اشتعلت منذ عام حين قتل 72 مشجعًا في ستادها الرياضي جاءوا من القاهرة وراء ناديهم (الأهلي) لمؤازرته في مباراة لكرة القدم واجه فيها نادي (المصري) ببورسعيد. سوء الإدارة للأزمة اختتم بأن يتزامن الحكم بإحالة بعض اوراق المتهمين إلى المفتي  مع الذكرى الثانية للثورة المصرية حتى يهدأ شباب الثوار الذين خططوا لردة فعل قوية إذا لم يتم الحكم!

وهكذا بين جماهير لم تتعود أن ترى قصاصا من قاتل لأحد الثوار خلال عامين، وجماهير حزينة وغاضبة، وقوات أمن لم تر من أوامر قادتها سوى التعامل المفرط بالقوة سكت صوت العقل وارتفعت أصوات الجنون، وسال الدم كما لم يحدث من قبل.

وبعد أيام من المواجهات الدامية التي اجتاحت أرجاء البلاد، بلغت حالة الانقسام المتزايدة بين مؤيدي الرئيس محمد مرسي من الإسلاميين ، ومعارضيه، الذين قاموا بثورة 25 يناير وأغلبهم من قوى الشباب الثائر المدعومين سياسيا من العلمانيين والليبراليين واليساريين والأقباط ، بلغت مستوى ينذر بالخطر ويستلزم حوارا وطنيا وتوافقا لوضع نهاية للاضطرابات الجارية حاليا.

فقد لقى تسعة أشخاص على الأقل مصرعهم وأصيب ما يزيد على 600 آخرين في أنحاء مصر يوم الجمعة خلال الاشتباكات التي وقعت بين متظاهرين مناهضين للحكومة وقوات الأمن عندما كان المتظاهرون يحيون الذكرى الثانية لثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.

وفي يوم السبت، لقى 31 شخصا على الأقل مصرعهم وأصيب ما يزيد على 300 آخرين في اشتباكات وقعت في بورسعيد بين الشرطة والمتظاهرين إثر صدور حكم قضائي بإحالة أوراق 21 متهما إلى فضيلة المفتي، أدينوا في أعمال عنف تخللت مباراة لكرة القدم وأسفرت عن مقتل 74 شخصا العام الماضي. وعلاوة على ذلك، لقى سبعة أشخاص على الأقل مصرعهم وأصيب ما يزيد على 630 آخرين، أيضا في بورسعيد، خلال جنازة حاشدة أقيمت لضحايا اشتباكات السبت.

وأدى هذا المشهد الدموي في مصر إلى تزايد التحديات السياسية التي يواجهها مرسي حيث توافد آلاف المتظاهرين على الميادين الرئيسية في أصقاع مصر احتجاجا على ما يسمى “بالممارسة غير الديمقراطية للسلطة من قبل الإدارة الإسلامية الحالية”.

 وظهر مرسي بارد المشاعر، لا يعنيه من قتل، وليس امامه سوى مجموعة من النقاط كررها خلال خطابات سابقة، لا يبين منها سوى التهديد لمن يعارضه. إذ أعلن في خطاب وجهه للشعب عبر التليفزيون الرسمي على الهواء مباشرة إنه قرر إعلان حالة الطوارئ في محافظة بورسعيد المضطربة وكذا محافظتي السويس والإسماعيلية جراء الاشتباكات الدامية الجارية هناك.

وأصدرت الرئاسة بيانا بعدما القى مرسي خطابه يفيد بأن الرئيس وجه الدعوة إلى 11 حزبا للمشاركة في حوار سيجرى اليوم الاثنين ومن بينها حزب الدستور برئاسة زعيم جبهة الإنقاذ الوطني محمد البرادعي، وحزب الحرية والعدالة الذارع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوفد، وحزب مصر القوية وغيرها. وهذه الدعوة تمثل فرصة للرئيس مرسي لإيهام الغرب بأنه يفتح باب قصره المحاط بالأسلاك الشائكة وقوات الحماية للحوار مع المعارضة والجبهات الديمقراطية في مصر.

وقال محمد منصور رئيس مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن “الحوار هو الطريق الوحيد لانهاء الأزمة السياسية فى مصر شريطة أن يتضمن أجندة واضحة وجهة محايدة تضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه”. وذكر أن “مصر تمر حاليا بمنعطف خطير والأوضاع فيها تتجه نحو طريق مسدود”.

وصرح لشينخوا بأن “الأحداث الحالية كانت متوقعة، ولابد من اتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة للتخفيف من حدة الأزمة”، مضيفا أن الأزمة لن يقدر على حلها فصيل سياسي واحد وأن الحوار الفعال بات أمرا حتميا.

فقد دعا مجلس الدفاع الوطني، الذي يترأسه مرسي، يوم السبت جميع القوى السياسية إلى المشاركة في حوار وطني موسع تقوده شخصيات وطنية مستقلة لبحث القضايا المثيرة للجدل والتوصل إلى توافق بشأن الإجراءات اللازم اتخاذها لضمان الشفافية في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وابدت جبهة الإنقاذ الوطني، كتلة المعارضة الرئيسية في البلاد، ترحيبا حذرا بهذا العرض.

فقد ذكر عبدالغفار شكر، عضو فى جبهة الإنقاذ الوطني ونائب رئيس مركز البحوث العربية، أن الجبهة سوف تدخل الحوار لو توفرت فيه ضمانات هى أن تكون قضايا الحوار وأطرافه محددة.

وقال شكر إن “المصريين غاضبين لأن تطلعاتهم في أوضاع معيشية أفضل وفي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لم تتحقق رغم مرور عامين على الثورة”.

وطالبت جبهة الانقاذ الوطني مرسي بإقالة الحكومة الحالية، وتعيين”حكومة إنقاذ وطني” وتشكيل لجنة لتعديل الدستور المثير للجدل والذي تم اقراره مؤخرا، مهددة بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة ما لم تتم تلبية مطالبها.

وفي بيان صدر مؤخرا، حملت كتلة المعارضة الرئيس مسؤولية ضحايا المظاهرات الأخيرة، وحثت على إقامة مظاهرات سلمية حاشدة يوم الجمعة القادم للدعوة إلى وقف العمل بالدستور والترتيب لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وبدوره قال الدكتور عمرو دراج، عضو المكتب التنفيذي لحزب  الحرية والعدالة  الذراع السياسي للإخوان المسلمين، إن “دعوة مجلس الدفاع لحوار وطني موسع هو الحل الأمثل للأزمة الراهنة”.

ووصف عمرو دراج إصرار المعارضة على تعديل الدستور بأنه “تضييع للوقت” ،مشيرا إلى أن قضية الدستور حسمت وربطها بالحوار الوطني أمر “غير واقعي”.

هكذا يتحدث صوت الإخوان المسلمين ظنا بأن العجلة يجب أن تتوقف عند مشهد امتلاكهم للسلطة، ظنا بأن الحياة يجب أن تكتفي بخروجهم من ظلام السجون والعمل السري إلى سدة الرئاسة، ووهما بأن أصوات أم كلثوم، وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ  وصلاح عبد الصبور وكامل الشناوي وعبد الرحمن الشرقاوي وطه حسين وغيرهم، يجب أن تكف وتخرس، وأن لا تمثيل سوى بالجثث.

مصر  اليوم تتذكر جمعة الغضب وهي أكثر غضبا، ولن ينفعها الحوارات المزيفة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات