العشاء الأخير في شهر الأدب الكوري بمصر

02:25 مساءً الخميس 29 يوليو 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في ختام “شهر الأدب الكوري”، الذي أعده المركز الثقافى الكوري بمصر واستمر طوال شهر يوليو 2021،  نظم المركز أمسية مفتوحة، دعاني إليها المسؤول الإعلامي للمركز أحمد عبد الفتاح، وافتتحها مدير المركز أوه سونج هو.

وبدا من حديث السيد أوه، الذي جاء مصر منذ ستة أشهر مديرا للمركز الثقافى الكوري بمصر، بعد عمله ضمن بعثة بلاده إلى إيران،  أن حضوره مثل فارقا، فقد شارك المركز ـ للمرة الأولى منذ تأسيسه قبل 7 سنوات – في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وشهدت المشاركة نجاحا ستشجع على القيام بفعاليات مماثلة.

ومما قاله أوه سونج هو عن سعي المركز ليكون منارة ثقافية لتعزيز التبادل الثقافي والتفاهم المشترك مع الشعب المصري. ويلمس المتابع نجاحالمركز في تأسيس قاعدة كبيرة من  الجمهور العاشق للثقافة الكورية، وبخاصة الكي بوب الغنائي، والدراما المترجمة والمدبلجة، والمطبخ الكوري الذي كان ينتظر الحضور.

الكلمة الأولى جاءت للأكاديمية بقسم اللغة الكورية جامعة عين شمس د. آلاء فتحي، التي تخرجت في جامعة عين شمس عام ٢٠١٠ وحصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب الكوري من جامعة كوريا الوطنية. وقدمت محاضرة قصيرة عن مراحل تطور الأدب الكورى – شعرًا ونثرًا – على مدار العصور، بدايةً من أول تاريخ شبه الجزيرة الكورية حتى عصرنا الحالي، وركزت عما تقترحه من نصوص للترجمة، خاصة الكلاسيكية منها، مع إشارتها أكثر من مرة إلى ضرورة التثبت من المصادر وذكر النسخة المترجمة، في ظل وجود أكثر من نسخة لهذه النصوص.

وقد أثير حوار عن الترجمة، ورأيي  يبدأ باستحضار ما كتبته هذا العام في مجلة الألسن: تُعزى المقولة الأشهر في عالم الترجمة “أيها المترجم، أيها الخائن” إلى مثل إيطالي ظهر في صيغة الجمع هكذا:  Traduttori traditori “”، أو “المترجمون الخونة” ضمن مجموعة من الأمثال التوسكانية في القرن التاسع عشر، والتي أشرف على جمعها شاعر ومترجم وكاتب ساخر إيطالي هو جوسيبي جيوستي  Giuseppe Giusti. وقد نسأل: كيف اهتمت ثقافة شعبية في إيطاليا بفعل غير شعبي هو الترجمة؟

والإجابة هي أن المعنى الذي قصدت إليه المقولة الإيطالية قد يحمل أكثر من تفسير أبعد مما ترمي إليه الآن كعبارة إكليشيهية؛ أولها معنى “التعبير عن الحذر في الثقافة الشعبية من أية لغة لا يمكن فهمها بسهولة، وتحديداً عدم الثقة بأولئك الذين يستخدمون لغة غير مألوفة كأداة للسلطة. في إيطاليا، كان هذا يعني، تاريخياً، أولئك الذين استخدموا اللغة اللاتينية لتعزيز سطوة وسحر مهنتهم: القساوسة والمحامين والأطباء.”  

فهذا المثل الشعبي – الذي استند إلى التجانس الصوتي والحروفي للكلمتين – يستشف الاستياء نفسه، ببلاغة التعميم الجمعي كحكمة أو كخلاصة؛ كما لو أن الاستنتاج الوحيد الذي يمكن التعرف عليه من التجربة الجماعية الطويلة للمترجمين – أنهم أولئك الذين يحملون مفتاح المعرفة مخبأة في لغة غير معروفة للعموم– مما يجعلهم غير جديرين بثقة ما.

ربما يكون هناك تفسير ثان يتزامن مع حركات الاستعمار؛ كون المترجمين هم الساعد الأيمن للمحتل في الحوار المباشر والفهم الأعمق للشعوب المحتلة، لذا اعتقدت الثقافة الشعبية، وممثلوها، أن المترجمين يقفون في صف الأعداء، ويليق بهم حينئذ نعتهم بالخونة.

وقد بدأ المحدَثون والمنصفون بالحديث عن نوع من الترجمة يوصف بالخيانه الخلاقه، باعتبار كل الترجمات بمثابة خيانات مبدعة للنص الأصلي، ولأن كل مترجم يضفي من روحه وثقافته ما يصب في نهر النص ذلك الأول.

لكننا نشير في كل ما سبق إلى المترجمين بين لغتين مباشرة؛ ليست بينهما لغة ثالثة وسيطة، فإذا وصمنا – أو كدنا – هؤلاء المترجمين بين طريق ذي حارتين، فما بالكم بمن يسلك طريقا ثالثة، ولتكن الإنجليزية أو الفرنسية، بين النصوص الأم، والنصوص في لغتها العربية؟!

لعل الخيانة هنا ستتضاعف، والشك سيتملك الناظرين للنصوص الوليدة، وكأن اللغة الوسيطة غيرت النصوص الأصلية مرة استهلالية، ثم غيرتها الترجمة العربية مرة تالية، فنحن أمام منتج هجين – إذا صح الوصف – تلاقحت فيه اللغة الوسيطة، مع اللغة الختامية، بكل ما يتماس معهما من ثقافات ومرجعيات وتفضيلات.

على أن الجرأة التي تأتي إلى المترجم عن طريق لغة ثالثة قد تبلغ جسارة كبيرة حين يظن المترجم أنه تعرف إلى عوالم الشعراء المترجم لهم، وزار بيئاتهم، وقرأ أعمالهم ودراسات عنها، وأنه يملك من اللغة العربية ما يمكنه أن ينقل الروح الشاعرة للقصائد حتى ولو قرأها بغير لغتها الأم، وأن لديه معرفة تاريخية واجبه بهؤلاء الشعراء، وقد يلتقيهم وجها لوجه، وهو ما تحقق لي على الأغلب في ثلاثة من الشعراء الكوريين؛ كو أون  Ko Un؛ الذي نقلت مختارات له في (ألف حياة وحياة)، وتشو أو هيون Cho Oh-hyun الذي ترجمت ديوانه (قديس يحلق بعيدا)، وأخيرا مانهي Manhae، الذي رحل في القرن الماضي، لكن إرثه الحي في آثاره التي تركها والبقاع التي وطأها، كانت مجالي للعيش والسفر، فكأني كنت معه. 

المهم أنني عبرت في كلمتي القصيرة عن سعادتي بين الحضور لأنني الوحيد بينهم الذي تُرجمت له عمل أدبي، وترجم أكثر من عمل أدبي كوري – عبر الإنجليزية ـ إلى اللغة العربية. وقد أحضرت نسخًا من هذه المؤلفات هدية لمكتبة المركزومنها روايتي شماوس في نسختها الكورية (2008)، وديوان الشاعر كو أون (الذي رأيت تنويها عنه وغلافا له في الكتب الصغير والأنيق الذي أصدره المركز بمناسبة شهر الأدب الكوري بمصر One Thousand & One Lives, An Anthology of Selected Poems Written by the Korean Poet KoUn), Dubai, UAE, 2012 ، وترجمتي لكتاب عطايا الخلايا الجذعية للعالم الكوري جيونج تشان را The Grace of Stem Cells, Dr. Jeung Chan Ra, Battana, Cairo, 2019، وأشعار حب للشاعر الكوري مانهي بعنوان (أمتطي غيمة لأبحث عنك) Riding a Cloud Searching You, Korean poet Manhae’s Love poems, the Silk Road Literature Series, Cairo, 2019، وديوان (قديس يحلق بعيدا) الي صدر في مصر في أحدد أعداد مجلة شعر، QeddisonYouhalleqoBaaidan (The Far-off Saint), Translated Poems Written by the Korean Poet and monk Cho O-hyun, BaitAl-Ghasham,  Muscat, Oman, 2013.

وقد أسعدتني كلمة المثقف الناشر محمد البعلي مؤسس ومدير عام (صفصافة للثقافة والنشر)، واعتقاده إنه يتوجه بإصداراته لنخبة مثقفة ومتذوقة، لذلك يعد الدار بوابة للأدب الرفيع، وكانت ترجمة إحدى روايات الأدب الكوري المعاصرة (مولودة عام 1982) بترجمة منار الديناري (التي قدمت وأدارت الأمسية الختامية) نموذجا للأعمال المختارة، والتي يتحكم فيه المشهد الغالب للجوائز العالمية سواء الفوز بها أو الوصول لقائمتها القصيرة.

وأثار الشاعر والمترجم والإعلامي أسامة جاد قضية أخرى تتعلق بالترجمة وخلفياتها الثقافية، وعدم وجود عمل مؤسسي ينتظم ذلك المسار بعيدا عن المناصب والأفراد، حيث تتوقف المشروعات بانتهاء خدمة الأفراد، ويحالون للمعاش فتحال معهم الاتفاقيات الموقعة.

الشهر الأدبي الدسم قدم عبر موقع المركز الثقافى الكوري بمصر عددا من اللقاءات المصورة مع أعلام ترجمة الأدب الكوري ومنهم الدكتور محمود عبد الغفار  الذي درس اللغة الكورية فى كوانج جو، كما أنه نشر العديد من المؤلفات والبحوث، وترجم العديد من الأعمال الأدبية الكورية ومن بينها رواية “النباتية” التي فازت بجائزة البوكر العالمية عام 2016. حصل د. محمود عبد الغفار أيضًا على جوائز عديدة من بينها جائزة أفضل مترجم من المعهد الوطني لترجمة الأدب الكوري عام 2014

أما العشاء فقد أعادنا إلى كوريا، إلى قلبها العاصمة سول، ومر بنا من جيجو حتى المنطقة المعزولة السلاح، وكان الكيمتشي بطل المشهد، ودار حوار حول المائدة العامرة بالدجاج والأرز و مع محمد وديع غزي مدير تحرير موقع   SEE وكنت بصحبة زوجتي السيدة فاطمة الزهراء حسن المخرجة التلفزيونية بالقناة الثقافية، والتي شاركتني شاهدة محبة رحلتي في الترجمة والاستطلاعات الكورية، والتقت هي بناشر روايتي بالكورية (جمعية كوريا والشرق الأوسط) لتتسلم النسخ المهداة، حيث كنت مسافرا، بل وحضرت نيابة عني فعاليات إعلان مسابقة التحكيم في عرض كتاب زهور الأزاليا بقسم اللغة الكورية في جامهعة عين شمس، وكنتُ محكما بينهن لاختيار الفائزات من بين المشاركات.

ومما دار في الحوار هو الاختلاف بين الثقافتين، الكورية والعربية، والذي يؤسس بالضرورة للاختلاف في الابداع. فأنت لن تجد شاعرا عربيا يمضي ساعات في التأمل، لذلك تكثر عن الشعراء البوذيين ـ مثالا ـ قصائد تراقب الطبيعة وكائناتها الحية، مثل ضفدع يقفز في بركة أو فراشة ترفرف على زهرة. فهناك في حضن المعابد بأعالي الجبال، وبعيدا عن الحياة الصاخبة واللاهثة، يجدالشاعر وقتا للتأمل.

,اثرت نقطة وجدتها في رحلاتي الكورية، وهي مفهوم  temple stay  حيث يسمح للزوار سياحا ومواطنين من كافة الأديان بالإقامة في المعابد وممارسة الطقوس، ومشاركة الرهبان طقوس شرب الشاي، والاستيقاظ لأداب بعض الصلوات فجرا، والطعام الزاهد، وغسل الصحون بعد العام، وهي طقوس تعطي صورة حقيقية عن الممارسات البوذية، وقلت: “أعتقد أننا لو كان لدى مساجدنا مفهموم mosque stay  لاختلف النظر للثقافة الإسلامية، فسيرى هؤلاء الزائرون للمساجد والمقيمون لها من غير المسلمين، ذلك الخشوع في صلوات المسلم، والتبتل في قراءة القرآن الكريم، والتطهر ، والهدوء، وهي صورة مغايرة تماما للمسلم في نشرات الأخبار الذي تعرضه الميديا صارخا غاضبا، يحمل الكلاشينكوف، ويلف صدره بحزام ناسف”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات