تونس المحبطة تودع عامها الثاني بعد الثورة

07:55 مساءً الإثنين 24 ديسمبر 2012
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تونس ـ(شينخوا) لم يكن العام 2012 عاما عاديا بالنسبة لتونس التي أنهت العام الثاني لثورتها التي أطاحت بنظام الرئيس السابق بن علي وسط تجاذبات سياسية حادة،وإضطرابات إجتماعية عنيفة، وتراجع إقتصادي مخيف، وتطورات أمنية أعادت شبح تنظيم “القاعدة” إلى الواجهة. ورغم ذلك،يستعد التونسيون لتوديع هذا العام وكلهم أمل في تجاوز ما حمله من إحتقان وتوتر ولّدا حالة من الإحباط واليأس لدى جزء كبير من فئات المجتمع،باتت تُهدد بالتحول إلى ما يُشبه العدوى التي قد تعم البلاد بسبب إستمرار الغيوم التي تُلبد المشهد السياسي التي دخل في مرحلة إستقطاب ثنائي خطير. ويرى مراقبون أن العام 2012 يُعد بالنسبة لتونس أكثر الأعوام إضطرابا على الصعيد السياسي رغم وجود حكومة تتمتع بشرعية إستمدتها من مجلس وطني منتخب هو الثاني من نوعه منذ إستقلال تونس في العام 1956.

ويقود هذه الحكومة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية التي نجحت في الفوز بـ89 مقعدا من المجلس الوطني التأسيسي،ما جعلها تُهيمن على المشهد السياسي رغم الإئتلاف الذي دخلته مع حزبين يختلفان معها على مستوى المرجعية الفكرية والأيديولوجية،هما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية(يسار وسط وعلماني)،والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ( إشتراكي ديمقراطي).

ويوصف هذا الإئتلاف في تونس بـ”الهش”،ومع ذلك سعت الحكومة التي إنبثقت عنه لتتسلم الحكم خلال شهر ديسمبر من العام 2011، إلى محاولة تسويقه على الصعيدين الداخلي والخارجي من خلال القول إن “تونس الثورة قادرة إيجاد تعايش بين مختلف العائلات الفكرية”،و”أن التيار الإسلامي مُستعد لتقاسم السلطة مع قوى تختلف معه فكريا وعقائديا”.

وركزت في هذا السياق على ذلك الجانب ،و دعمه بصفة “الشرعية”،لدرجة أن وزير الخارجية رفيق عبد السلام لم يتردد في القول أكثر من مرة أن هذه الحكومة هي “أقوى حكومة في تاريخ تونس”. غير أن هذا المسعى الذي نجح إلى حد ما على الصعيد الخارجي،إصطدم على المستوى الداخلي بعراقيل متنوعة جعلته يتراجع ويتلاشى،بسبب أداء هذه الحكومة التي باتت توصف بأنها”حكومة محاصصة حزبية بإمتياز” أدخلت البلاد في مأزق حقيقي مُتعدد الجوانب. فعلى المستوى السياسي،تسبب أداء هذه الحكومة في بروز حالة من الإحتقان والتوتر مازالت في تصاعد مستمر ،وصل إلى حد تهديد تماسك هذا الإئتلاف ،حيث كان له أثر كبير في إيجاد إنقسام حاد داخل المجتمع التونسي إتخذ أشكالا متعددة. ويتجلى هذا الإحتقان من خلال المواقف المتشنجة لغالبية أحزاب المعارضة التي لم تتردد في القول إن هذه الحكومة تحاول إستنساخ ديكتاتورية جديدة،وصولا إلى وصفها بـ”الفاشية” وذلك في تطور طغى فيه الخطاب الأيديولوجي على مصلحة البلاد،وتطلعات الشعب. ويعود هذا الإحتقان بالأساس إلى غياب رؤية واضحة للحكومة،وإلى إنعدام وجود خارطة طريق تُحدد ملامح المرحلة المقبلة،وخاصة منها الإستحقاقات المرتقبة المرتبطة بالإنتخابات،بالإضافة إلى سعي أقطاب هذا الإئتلاف الحاكم لتمرير مشروع قانون يتعلق بإقصاء أنصار الحزب الحاكم سابقا يحمل إسم “تحصين الثورة”،وهو قانون شبيه بقانون العزل السياسي في مصر.

وساهم هذا المشروع الذي لم يُصادق عليه المجلس التأسيسي بعد في تعميق الشرخ السائد حاليا،حيث رفضته غالبية القوى السياسية،وإعتبرته مقدمة لعقاب جماعي يتناقض مع القوانين المنظمة لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية،كما يتعارض مع مبدأ العدالة الإنتقالية التي تسعى تونس إلى تحقيقها.

وإنعكست هذه العوامل مجتمعة على أداء الحكومة أثناء معالجتها لمختلف الملفات الحارقة الأخرى،ما ساهم في بروز حالة من عدم الثقة في الحكومة لدى فئات متعددة من المجتمع ترجمتها في تزايد الإحتجاجات التي تحولت في مرات عديدة إلى مواجهات عنيفة كان آخرها أحداث سليانة الدموية التي سبقتها أحداث مماثلة في محافظتي سيدي بوزيد والقصرين. وبالتوازي مع ذلك،دخلت الحكومة التونسية المؤقتة في مواجهة حقيقية مع بقية مكونات المجتمع المدني والنقابيين ،حتى أن الصحافيين نفذوا إضرابا عاما لمدة يوم،فيما أقر الإتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) تنفيذ إضراب عام في سابقة هي الثانية من نوعها منذ العام 1978. ورغم تراجع الإتحاد العام التونسي للشغل عن تنفيذ هذا الإضراب العام في كامل أنحاء البلاد في آخر لحظة،”خدمة للمصالح العليا للبلاد”،فإن حالة الإحتقان مازلت سائدة،حتى أن كثيرين باتوا يقولون إنه بعد عامين من الثورة يجد التونسي نفسه “يناضل من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققها خلال السنوات الماضية،وخاصة منها مدنية الدولة، والمساواة بين المرأة والرجل،وحقوق الإنسان،والفصل الكامل بين السلطات،وإستقلالية القضاء…”.

وخلف هذا التعثر الذي شهدته تونس خلال العام 2012 على الصعيدين السياسي والإجتماعي،فإن المشهد الإقتصادي لا يبعث على التفاؤل بحسب العديد من الخبراء،وأعضاء الحكومة نفسها. وتقر الحكومة بوجود عدة مصاعب تواجها لتحقيق الإنتعاش الإقتصادي المطلوب ،وبالتالي تحقيق مؤشرات تنمية قريبة من تلك التي حققتها تونس قبل الثورة،فيما تذهب المعارضة إلى إتهام الحكومة بـ”الفشل” في معالجة النواقص الهيكلية للإقتصاد،وبالتالي النهوض بها لتحقيق أهداف التنمية.

وتستدل في هذا السياق بإرتفاع حجم المديونية الخارجية التونسية ليصل 44.5% من إجمالي الناتج المحلي الخام،وتطور نسبة التضخم لتصل إلى 5.5%،وتفاقم عجز الموازنة العامة لتصل نسبتها إلى 7.2% من إجمالي الناتج المحلي.

وساهمت هذه الإنتكاسات في إرتفاع عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى نحو 800 ألف شخص،وهو رقم مرشح للإرتفاع بالنظر إلى تقلص الإستثمارات الخارجية،وتراجع أداء القطاع السياحي.

وإذا كانت هذه التطورات يمكن تفهمها بالنظر إلى طبيعة المرحلة التي تمر بها تونس،أي مرحلة إنتقالية بعد ثورة شملت مختلف المجالات، فإن أبرز تحد واجهته البلاد في العام 2012 يتعلق بالعنف السياسي المتستر بالدين.وعرفت تونس خلال الأشهر الماضية عدة مواجهات مُسلحة مع مجموعات دينية متشددة محسوبة على التيار السلفي،كان آخرها تلك الإشتباكات التي جرت في غرب البلاد خلال شهر ديسمبر الجاري،في غرب البلاد،مادفع الحكومة التونسية المؤقتة إلى الإعتراف ولأول مرة بوجود نشاط لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي داخل التراب التونسي.

ولا يخفي الجميع في تونس خشيته من هذه الظاهرة الخطيرة على أمن البلاد الذي يبدو مهددا بشكل جدي بسبب إنتشار السلاح بكثافة في ليبيا المجاورة،وسعي بعض القوى السلفية إلى تهريبه وتخزينه في تونس.

ورغم كل هذه التطورات التي يتخللها أيضا إستمرار تعثر وفشل المساعي المكثفة لإطلاق حوار وطني حقيقي ينهي هذه التجاذبات،تأمل مختلف القوى في البلاد في أن تتجه تونس مع ذلك نحو مرحلة “الضبط الديمقراطي”،الذي من شأنه تحقيق الإستقرار السياسي والإجتماعي والأمني على أساس التوافق،وبالتالي إستعادة السلم الإجتماعي الذي وحده القادر على دفع عجلة التنمية من جديد لإنعاش الإقتصاد.

ويرى مراقبون أنه برغم إنعدام الثقة لدى آهالي المدن الداخلية في البلاد والنخب السياسية،فإن ذلك لا يمنع من توقع إندفاعة إيجابية لتونس على ضوء الأجواء الإقليمية والدولية التي مازالت توفر مظلة أمان للثورة التونسية.ويستند هذا الرأى إلى الوعود الكثيرة التي تلقتها تونس من المجموعة الدولية، بالإضافة إلى تحولها لمركز لعدد من المؤتمرات الدولية والإقليمية بمشاركة شخصيات فاعلة في المشهد الدولي.

ويأتي في هذا السياق المنتدى العربي-الصيني الذي إستضافت تونس دورته الخامسة خلال شهر مايو الماضي،وهي دورة شارك فيها وزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي، حتى أنها وُصفت بالمنعرج الإستراتيجي في تطوير العلاقات الصينية-العربية في ظل المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية،حيث تم خلالها بحث آليات التعاون بين الصين والدول العربية وسبل دعمه وتوسيع مجالاته ليشمل أيضا الصحة وتطوير الموارد البشرية والبيئة والأعلام.

وبالتوازي مع ذلك،إستضافت تونس الدورة الأولى لمؤتمر “أصدقاء سوريا”،كما إستضافت أيضا الدورة التاسعة لـ”المنتدى من أجل المستقبل” الذي إنتهت أعماله خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري بمشاركة وزراء خارجية دول مجموعة الثماني،ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

لذلك،تكاد مختلف الأوساط السياسية تجمع على أن العام 2012 لم يكن عاما عاديا لتونس،دون أن يعني ذلك،أن هذه الدولة التي منها إنطلقت “ثورات الربيع العربي” ستفشل في تجاوز تلك الإنتكاسات،وبالتالي فتح صفحة جديدة لإعادة الثقة بين الحكومة والمعارضة بما يكفل تبديد الإحتقان،من خلال دوران عجلة المؤسسات الإقتصادية والدستورية ، وبالتالي تحقيق الإستقرار الجدي لمواجهة الإستحقاقات المرتقبة، والخروج من مفترق الطرق الحالي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات